جواري نزلت فاستبطنت الوادي ، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي ، وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء ـ يعني جبرئيل ـ فقلت : دثّروني دثّروني فصبّوا عليّ ماء ، فأنزل الله عزّ وجلّ : «الآيات من المدثر» (١) ، وفي الدر المنثور : «فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض ، فجئت رعبا فقلت : .. إلخ» (٢) ونقل الفخر الرازي أنّ نفرا من قريش آذوا رسول الله (ص) وهم : أبو جهل ، وأبو لهب ، وأبو سفيان ، والوليد ، والنضر بن الحرث ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل فقالوا : إنّ محمدا لساحر ، فوقعت الضّجّة في الناس : أنّ محمدا ساحر ، فلمّا سمع رسول الله (ص) ذلك اشتد عليه ، ورجع إلى بيته محزونا ، فتدثر بثوبه ، فجاءه جبرئيل (ع) وأيقظه ، وقال : «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» (٣) ، وضعّف السيوطي ذلك في أسباب النزول ص ٢٢٣ ، ولقد انتقدت في سورة المزمل أسباب النزول هذه لما فيها من إشارة إلى شك أصاب الرسول في رسالته ، وضعف في الموقف قبالة ضغوط المشركين ، بلى. قد يكون النبي (ص) حين نزول هذه الآيات متدثرا لأسباب عادية.
ومن المفسرين من تأول لكلمة المدثر غير ظاهرها فقال : إنّ المراد كونه متدثرا بدثار النبوة والرسالة ، من قولهم ألبسه الله لباس التقوى ، وزيّنه برداء العلم ، ويقال : تلبّس فلان بكذا (٤) ، وقد نقل العلّامة الطباطبائي هذا الرأي في تفسيره وقوّاه (٥) ، وقيل : المراد به الاستراحة والفراغ ، فكأنّه قيل له : يا أيها المستريح
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٤ والتبيان ج ١٠ ص ١٧١ ، والكشاف ج ٤ ص ٦٤٤ والتفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٨٩ ، وفي ضلال القرآن ج ٨ ص ٣٤٥ ، والميزان ج ٢٠ ص ٨٣.
(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٠.
(٣) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٩٠.
(٤) المصدر.
(٥) الميزان ج ٢٠ ص ٧٩.