الفارغ قد انقضى زمن الراحة ، وأقبل زمن متاعب التكاليف وهداية الناس (١) ، وهو بعيد عمّا نعرفه من خلق الرسول الذي ما كان ليستريح ولا يني يجاهد لإعلاء كلمة الله قبل وبعد البعثة.
وفي اللغة : المدثر : المتفعّل من الدثار ، إلّا أنّ الثاء أدغمت في الدال لأنّها من مخرجها ، مع أنّ الدال أقوى بالجهر فيها عن التبيان ، وهو المتغطي بالثياب عند النوم (٢) ، يقال : تدثر تدثرا ، ودثره تدثيرا ، ودثر الرسم يدثر دثورا إذا محي أثره (٣) ، والقوي عندي في معنى المدثر ثلاثة آراء :
الأول : ظاهر الكلمة أي المتدثر بغطاء ، فإنّ الوحي كان ينزل على رسول الله (ص) في مختلف حالاته ، راكبا وراجلا ، ونائما ويقظا و.. و..
الثاني : المتدثر بدثار النبوة ، وقد بيّنا ما يشبه ذلك في تفسير الآية الأولى من سورة المزمل.
الثالث : المتكتّم والمتخفّي ، وإنّما سمّي الدثار دثارا لأنّه يخفي النائم ، من باب دثرت المعالم إذا انمحت واختفت ، وعليه يحتمل أن تكون سورة المدثر فاتحة المرحلة العلنية من الدعوة الإسلامية ، التي مرّت في بدايتها بظروف السرية والكتمان .. وإذا صحّ هذا الرأي نكون قد وصلنا إلى حلّ للاختلاف بين المفسرين في أنّه هل العلق هي أول ما نزل من القرآن أم سورة المدثر؟ حيث يوصلنا هذا الرأي إلى أنّ العلق هي أول سورة نزلت على الإطلاق ، أمّا المدثر فهي أول إيذان بإعلان الدعوة من الله.
__________________
(١) المصدر.
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٣.
(٣) التبيان ج ١٠ ص ١٧٢.