(قُمْ فَأَنْذِرْ)
قال الرازي : في قوله : «قم» وجهان : قم من مضجعك ، وقم قيام عزم وتصميم (١) ، ويتسع المعنى لقيام الجهاد والتغيير والثورة لوصفه تعالى المتقاعسين والساكتين بالقاعدين في قوله «وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً» (٢) وهكذا في مواضع أخرى من القرآن (٣) ، والإنذار والتحذير من عواقب الضلال والانحراف إنّه من أهمّ أهداف الحركة الرسالية الأصيلة ومنطلقاتها ، لأنّه يعكس في الحقيقة تحسّس الطلائع بالواقع الفاسد ، ومن ثمّ تحرّكهم للتغيير إيمانا بالمسؤولية الربّانية.
بلى. قد يكون نفسه على الطريق السوي ، ولكنّ مسئوليته شاملة لا تنحصر في ذاته وحسب ، بل هو كفرد من المجتمع مسئول عن واقعه ، ليس من زاوية إنسانية ودينية فقط بل من زاوية واقعية أيضا ، فإنّ تخلّف مجتمعة وأمّته يؤثّر عليه شاء أم أبى ، وإنّ القوانين والسنن الجزائية تطال الجميع دون استثناء .. ولا ريب أنّ نشر القيم الصالحة ، وتوعية المجتمع ، ومن ثمّ تغيير مسيرته نحو الصواب ، يجعل الإنسان أقرب إلى أهدافه ، وأقدر على بلوغها بصورة أسرع وأفضل حيث يتحرّك في محيط صالح ممهّد للنهضة والتقدم.
ومن الناس من يتوانى عن أداء مسئوليته الاجتماعية ، ويتعلّل بفهمه الخاطئ لقول الله سبحانه : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» (٤) ويزعم أنّه يأمر بالتقاعس والتساهل إزاء تخلّف المجتمع وانحرافه ،
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٩٠.
(٢) النساء ٩٥.
(٣) المائدة ٢٤ ، التوبة ٤٦ ـ ٨٦.
(٤) المائدة ١٠٥.