الإيثار ، أي سحر تؤثره النفوس ، وتختاره لحلاوته فيها (١) ، وبذلك سعى الطاغية للتقليل من شأن أمرين مهمّين : أحدهما : معجزة القرآن العظيمة بظاهره ومحتواه ، والآخر : ظاهرة الاستجابة للرسالة الجديدة والدخول في دين الرسول ، ومن ثمّ كان الوليد ـ كما هو حال أيّ طاغية ومترف ـ يسعى لتحقيق عدة أهداف خبيثة من وراء هذه الشائعة الضالة :
١ ـ تبرير هزيمتهم في الصراع المبدئي والحضاري مع الإسلام بقيمه وقيادته وحزبه.
٢ ـ تضليل الناس عن الحق ووضع حدّ لزحفهم باتجاه الدخول في الدين الجديد.
وقد جعل تهمة القرآن بالسحر مدخلا إليه لحلّ عقدة تواجه كلّ من يحارب الذكر الحكيم ، ألا وهي أنّ آثار الحكمة والعلم الإلهية واضحة في آياته. وإنّها لتهدي كلّ ذي لبّ منصف إلى كونها متنزّلة من عند ربّ العزة ، وباعتراف الوليد نفسه حينما قال : سمعت منه ـ يعني الرسول (ص) ـ كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود .. لا خطب ولا شعر ، فمستحيل إذن أن ينسبه إلى المخلوقين من دون مقدّمة ، فالمسافة بينه وبين كلام المخلوقين لا تحدّ وفضله عليه لا يوصف ، وهو كفضل الله على سائر خلقه .. ومن هذه المقدمة انطلق إلى ما أراد قوله بالضبط.
(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)
فمتى ما أوصل هذه القناعة إلى أذهان الناس تقدّم خطوات أساسية في الصراع ضد الرسالة الربانية في زعمه ، ومن أجل هذا الهدف جنّد طاقاته .. ففكّر وقدّر ..
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٨.