قيل : لا تبقيهم أحياء فهي تميتهم ، ولا تترك لأبدانهم أثرا فهي لا تذرهم ، أي أنّ لها أثرين : الأول على الروح ، والآخر على الجسم ، وقيل : أنّ الكلمتين مترادفتين في المعنى مختلفتين في الدرجة والأثر ، وذكرهما معا يفيد المبالغة والتأكيد ، وقال في التبيان : قيل : لا تبقي أحدا من أهلها إلا تناولته ، ولا تذره من العذاب (١) ، وفي الميزان قال العلّامة الطباطبائي : لا تبقي شيئا ممّن نالته إلّا أحرقته ، ولا تدع أحدا ممّن ألقي فيها إلّا نالته ، بخلاف نار الدنيا التي ربما تركت بعض ما ألقي فيها ولم تحرقه (٢) ، وعن مجاهد قال : لا تحيي ولا تميت (٣) ، واستدل صاحب الميزان على هذا الرأي بقوله تعالى : «الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى» (٤) ، والأقرب عندي أنّ معنى «لا تبقى» لا تدع أحدا من الناس الذين فيها باقيا بل تفنيهم جميعا ، ومعنى «لا تذر» أي لا تذر شيئا من أيّ واحد منهم ، فالأول يشمل كلّ من فيها ، والثاني يتسع لكلّ جزء ممّن فيها ، وهو أعظم ، وهذه ـ فيما يبدو لي ـ صفة النار مع قطع النظر عن صفة جهنم التي يجدّد الله فيها ما تحرقه النار ، فلا منافاة بينها وبين قوله سبحانه «لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى» إذ الحديث عن النار هنا جاء بقدر فهمنا لها وحسب مقاييسنا. ولعل من المعاني : أنّ سقر من حيث شدة العذاب ونوعيته لا تبقي من يلقى فيها ، ومن حيث المدة والملازمة فإنّها لا تترك أهلها أبدا ، وهذا يهدينا إلى أنّ أهلها من الخالدين في العذاب ، فلا تترك سقر أهلها بل يبقون خالدين في العذاب ، لأنّ الاحتراق هناك ليس احتراقا عاديا وإنّما هو احتراق يشبه الاحتراق الذري الذي لا ينتهي ، والله العالم.
وصفة أخرى لسقر هو تلويحها أهلها.
__________________
(١) التبيان ج ١٠ ص ١٨٠.
(٢) الميزان ج ٢٠ ص ٨٨.
(٣) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٣.
(٤) الأعلى ١٢ / ١٣.