عددهم إلّا الله من الملائكة ، وإلى هذا المعنى إشارة في قول الله : «وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» ، والجهل بهذه الحقائق هو الذي دفع المشركين إلى الاستهزاء ، وكفرهم بالغيب .. قال أبو جهل يوما : يا معشر قريش! يزعم محمد أنّ جنود الله الذين يعذّبونكم في النار تسعة عشر ، وأنتم أكثر الناس عددا ، أفيعجز مائة رجل منكم عن رجل منهم؟! (١) ، وقال رجل من قريش يدعى أبا الأشد : يا معشر قريش! لا يهولنّكم التسعة عشر ، أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة ، وبمنكبي الأيسر التسعة (٢) فأنزل الله : «الآية ٣١».
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً)
إنّ الله يمتحن عباده بما يشاء ، وممّا يمتحنهم به أمرهم بالإيمان بالغيب ، وكلّما كان الغيب أشدّ غموضّا كلّما صعب الإيمان به ، وكان أرفع درجة في القرب من الله ، ولذلك جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع) : «إنّا صبّر وشيعتنا أصبر منا» (قال الراوي) قلت : جعلت فداك! كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟! قال : «لأنّا نصبر على ما نعلم ، وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون» (٣) ، ولقد جعل الله الإيمان بالغيب ركنا أساسيا في الشخصية الإيمانية ، ومن هذا المنطلق أخفى كثيرا من الحقائق كالموت والبرزخ والآخرة ، فأمّا الكفار والمشركون والذين في قلوبهم مرض فإنّ الغيب يزيدهم فتنة ونفورا ، ليس لأنّه لا واقعية له ، فالآيات الهادية إليه كثيرة ، وإنّما لأنّ الإيمان به درجة رفيعة من العلم والإيمان ، لا يصل إليها إلّا عباد الله المتميّزون المتقون «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ» (٤) ، وسبيل المؤمنين إلى اليقين بالغيب أمران :
__________________
(١) أسباب النزول للسيوطي ص ٢٢٤.
(٢) المصدر أخرجه السدي.
(٣) موسوعة بحار الأنوار ج ٧١ ص ٨٠.
(٤) البقرة ٣.