يؤمن بالغيب فيزداد درجة في إيمانه حتى يبلغ مستوى اليقين الذي لا ريب معه ، وليعلم المنافق والكافر بالغيب فيزداد شكّا وضلالا. وهكذا نجد هذه الحكمة في سائر شرائع الدين.
وإشارة القرآن لسؤال الكافرين ومرضى القلوب : «ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً» يكشف عن جهلهم ومدى ضلالهم وطريقتهم الاستهزائية بالآيات ، فإنّ هدفهم من وراء ذلك ليس البحث عن الحق ، بل هو مجرد السؤال كطريق للهروب من مسئولية الإيمان ، وتشكيك أنفسهم والمؤمنين في الحق .. فهم لا يعلمون الغيب حينما راحوا يشكّكون في صحة قول الله عن عدّة أصحاب النار ، ولا يستطيعون انكار ذلك إذ لا دليل عندهم على خلافه .. ولذلك تساءلوا عن الخلفيات لهذه الحقيقة. ولو أجابهم القرآن ببيان سرّ هذا العدد لاختلقوا سؤالا آخرا ، وهكذا.
(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)
أي أنّ ما طرحته الآيات هو مثل حيّ للضلال والهداية ، فالحقيقة التي بيّنها الله في كتابه واحدة ، والمعطيات لدى الفريقين ومن بينها العقل والإرادة واحدة ، إلّا أنّ الموقف مختلف تماما ، وهذه الصورة العملية للموقفين تكشف عن أنّ الهدى والضلالة وإن كانا بيد الله إلّا أنّ العامل الرئيسي فيهما هو الإنسان نفسه .. بإرادته واختياره ، وليس كما يزعم الجبرية أبدا.
(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)
لأنّهم غيب مستور ، ولأنّهم من الكثرة بحيث لا يستطيع عدّهم أحد ، فكيف وربنا يخلق كلّ لحظة من ملائكته ما لا يحصيه إلّا هو سبحانه وتعالى؟! ففي الأخبار أنّ لكلّ قطرة غيث تنزل من السماء إلى الأرض ملكا موكّلا بها ، وأنّه عزّ