بلغني أن سليمان عرضت عليه الخيل فشغله النظر إليها حتى فاتته صلاة العصر ، وتوارت بالحجاب قال : فعقر الخيل غضبا لله. قال : فأعقبه الله أسرع منها ، الريح سخّرها له تجري بأمره رخاء حيث شاء ، فكان يغدو بالشام ويقيل بأرض فريدان ـ يعني إصطخر ـ ويروح بفريدان ويمسي بكابل.
قال : ونا عمي ، نا عبد الرّحمن بن مهدي ، نا إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن إبراهيم التيمي قال : كانت الخيل التي شغلت سليمان ألف فرس فعقرها.
أخبرنا أبو الحسن بركات بن عبد العزيز ، وأبو محمّد السّلمي قالا : نا أبو بكر أحمد بن علي ، أنا أبو الحسن بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنا شيخ من ولد محارب بن دثار يقال له عبد الرحيم بن عبيد الله ، عن وهب قال :
قيل لسليمان : إن خيلا بلقا لها أجنحة تطير بها وإنها ترد ماء كذا وكذا من جزيرة بحر كذا وكذا ، فقال : كيف لي بها؟ قالت الشياطين : نحن لك بها ، قال : فانطلقوا فهيئوا لي سلاسل ولجما ، ثم انطلقوا إلى العين التي تردها (١) ، فنزحوا ماءها ، وسدّوا عيونها ، وصبّوا فيها الخمر ، فجاءت الخيل واردة فشمت فأصابت ريح الخمر ، فتخبطتها بقوائمها ، ولم تشرب ، ثم صدرت ، ثم عادت الغد ، فشمت الخمر فخبطتها ولم تشرب منها ، ثم صدرت عنها ، فلما أجهدها العطش جاءت فاقتحمت فيها فشربت فسكرت ، فذهبت تنهض فلم تقدر عليه ، فجاءت الشياطين حتى وضعت عليها اللحم والسلاسل ثم قعدت عليها. فلما أفاقت وطارت وعليه اللجم وقد استوت عليها الشياطين ، فلم تزل ترفق بها الشياطين وتعالجها حتى هبطت الخيل إلى القرار ، فلم يزالوا بها حتى جاءوا بها سليمان فربطها ووكل بها من يسوسها حتى استأنست وأذعنت ، فكان سليمان قد أعجب بها فعرضها ذات يوم فنظر إليها (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(٢) وغفل عن صلاة العصر فقال : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ)(٣) ـ يعني الخيل (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ رُدُّوها عَلَيَ)(٤) قال : فردّت عليه فمسح سوقها وأعناقها بالسيف ، فلم يدع لها نسلا ، فالله أعلم أي ذلك كان.
__________________
(١) بالأصل : يردها.
(٢) سورة ص ، الآية : ٣٢.
(٣) سورة ص ، الآية : ٣٢.
(٤) سورة ص ، الآية : ٣٢.