وعمل لسليمان الزجاج فجاء على ما أراده ، فأكرمه سليمان ، وقربه حتى كان يشاوره في الأمر ، وركب سليمان ذات يوم حتى أتى ساحل البحر فأدركه المساء ، وغابت الشمس ، وبدت النجوم ، فاطلع كوكب فقال سليمان : يا صخر ما هذا الكوكب؟ قال : هذا نجم كذا وكذا ، ثم لم يزل يسأله عن النجوم ؛ فقال سليمان : لقد أعطيت من أمر النجوم علما ، فصف لي كيف علمت ذلك؟ فقال : يا رسول الله ، إن خاتم المملكة في يديك ، وإني أفرق أن أدنو منك ، ولو لا ذلك لأخبرتك بأشياء تعجب ، فنزع سليمان الخاتم ثم قال : امسكه معك ، وأخبرني ، فلما وقع الخاتم في يده قذفه في البحر فالتقمه حوت من حيتان البحر ، وتمثّل صخر مكانه على تمثال سليمان ، وقعد على كرسيّه فاجتمع له الجن والإنس والشياطين وملك كل شيء كان يملكه سليمان إلّا أنه لم يسلط على نسائه ، وخرج سليمان يسأل الناس ويتضيّفهم ، ويقول : على باب الرجل والمرأة يقول : أطعموني فإني سليمان بن داود ، فيطردونه ويقول له : ما يكفيك ما أنت فيه من البلاء حتى تكذب على سليمان ، وهذا سليمان على ملكه؟ حتى أصابه الجهد وطال عليه البلاء ، فلمّا تمّ أربعون يوما جاء إلى ساحل البحر ، فإذا قوم من الصيادين يصيدون السمك ، فقال لهم : أطعموني فأبوا فقال لهم : لو تعلمون من أنا لأطعمتموني ، أنا سليمان بن داود ، فخرج صاحب السفينة فطرده وضربه بمرديّ (١) في يده وقال : ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان؟ إن كنت جائعا فخذ من هذا السمك الذي قد أروح (٢) ، فأخذ سليمان سمكتين ، فدنا من ساحل البحر ، فشق بطنها ليغسلها فإذا في جوفها خاتمه فأخذه فلبسه ، وردّ الله عليه ملكه ، وجاءت الوحوش والطير فقامت الوحوش والطير عكفت فوق رأسه ، فلما نظر إليه أهل السفينة قالوا : هذا والله (٣) سليمان فقفزوا (٤) بين يديه فقالوا : يا نبي الله إنما فعلنا ما فعلنا غضبا لك ، فقال : أما إني لا أعاتبكم (٥) على ما صنعتم قبل ، ولا أحمدكم على ما تصنعون بي لأن الأمر من السماء.
__________________
(١) المردي : خشبة يدفع بها الملاح السفينة (اللسان).
(٢) أي أنتن.
(٣) بالأصل : والده ، والمثبت عن م.
(٤) رسمها وإعجامها مضطربان ، وصورتها بالأصل : «فعنروا» وفي م : «فصفروا» والمثبت عن مختصر ابن منظور ١٠ / ١٣٢.
(٥) عن م وبالأصل : أعلمكم.