العجب ، قال : فنظرت ثم مشيا إليه فلما رأتهما الحية تنحت عن سليمان ، فأيقظاه ثم قالا له : يا فتى هذا منزلنا فهو لك لا يسعنا شيء يعجزك ، وهذه ابنتي وقد زوجناكها ، وكانت من أجمل نساء أهل زماننا (١) قال : فتزوجها وأقام عندهم ثلاثة أيام ثم قال : لا يسعني إلّا طلب المعيشة لي ولأهلي قال : فانطلق إلى الصيادين فقال لهم : هل لكم في رجل يكون معكم يعينكم وترضخون (٢) له شيئا من صيدكم ، وكلّ يأتيه الله برزقه فقالوا : قد انقطع عنا الصيد وليس عندنا فضل نعطيكه ، قال : فمضى إلى غيرهم فقال لهم مثل هذه المقالة ، قالا : نعم وكرامة نواسيك بما عندنا ، فأقام معهم يختلف كل ليلة إلى أهله بما أصاب من الصيد حتى أنكر الناس قضاء سليمان وفعاله فقالوا لآصف : هل تنكر من سليمان الذي أنكرنا؟ قال : نعم ، ولكن دعوني أعلم علم نساءه ، فانطلق آصف وكان لا يحتجب عنهن فسألهن عن فعاله ، فإن (٣) أنكرنا جميع فعاله لا يطلب النساء إلّا عند الحيض ، فقال : هل تؤاتينه قلن : لا.
قال ابن عباس : من زعم أنه أتى نساءه فقد كذب ، كان سليمان أكرم على الله من أن يسلط الشيطان على نسائه قال : فختم الله عليه ، ولم يردهنّ قال : واحترس نساؤه ، واجتمع الناس يدعون الله أن يفرج ما بسليمان. قال : فلما رأى الخبيث أن الناس قد فطنوا له ، عمد فكتب كتاب السحر وختمه بخاتم سليمان ، ودفنه من تحت قائمة سرير سليمان وانطلق بالخاتم فألقاه في البحر.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا محمّد بن يوسف الهروي ، أنا محمّد بن حمّاد بن عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن قتادة قال :
كتبت الشياطين كتبا فيها سحر وشرك ، ثم دفنت تلك الكتب تحت كرسي سليمان ، فلما مات سليمان استخرج الناس تلك الكتب فقالوا : هذا علم كتمناه سليمان فقال الله تعالى (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ)(٤)
__________________
(١) كذا ، ولعل الصواب : «زمانها» كما في م.
(٢) رضخ له : أعطاه عطاء غير كثير (القاموس).
(٣) كذا بالأصل ، والمعنى أوضح في م : فسألهن عن فعاله ، قلن : أنكرنا جميع ...
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٠٢.