علونا في الأرض إذا نحن بأخبية مثبوتة وإذا فيها بفسطاط (١) فقلت لصاحبي : عليك بصاحب الفسطاط (٢) فإنه سيد القوم ، فلما انتهينا إلى باب الفسطاط فسلّمنا ، فردّ السلام ، ثم خرج إلينا شيخ ، فلما رأيناه هبناه مهابة لم نهبها ولدا قط ولا سلطانا ، فقال : ما أنتما؟ قلنا : فئة نؤم البيت ، قال : وأنا قد حدثتني نفسي بذاك ، ولا أراني إلّا سأصحبكم ، ثم نادى للرجال ، فخرج إليه من تلك الأخبية شباب يدقون إليه كما تدق النسور فجمعهم ثم خطبهم ، وقال : إني تذكرت بيت ربي ، ولا أراني إلّا زائره ، فجعلوا ينتحبون عليه بكاء ، فالتفتّ إلى شابّ منهم فالتفت إليّ وقال : لا تعرفه؟ قلت : لا ، قال : هذا شداد بن أوس صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان أميرا فلما أن قتل عثمان اعتزلهم ، قال : ثم دعا لنا بسويق له عريض فجعل يبس (٣) لنا ويطعمنا ويسقينا ، فلما حضر خروجه خرجنا معه ، فلما علونا في الأرض قال لغلام له : يا غلام اصنع لنا طعاما ما نقطع عنا الجوع بصغره ، كلمة قالها ما تمالكنا أن ضحكنا ، فالتفت قرآنا فقال : ما لي أراكم إلّا صغار فكما قلنا : يرحمك الله ، إنك كنت لا تكاد أن تتكلم فلما تكلمت لا نتمالك أن ضحكنا ، وإنا نغيضك يرحمك الله. قال : وما أراني إلّا مفارقكم وإن كسوتكما من ثياب أبليتموها ، وإن زودتكم من زادي أفنيتموه ولكن أزودكم حديثا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم تعلمناه في السفر والحضر ، فأملى علينا فكتبناه ، بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إني أسألك الثبات (٤) في الأمر ، وأسألك عزمة (٥) الرشد ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، واستغفرك لما تعلم إنك علّام الغيوب. قال شداد : وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقرأ بأمّ الكتاب وسورة (٦) ، فإن الله يوكل به ملكا يهبّ معه إذا هبّ» قال شداد بن أوس : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات» ،
__________________
(١) بالأصل بالقاف خطأ.
(٢) بالأصل بالقاف خطأ.
(٣) إعجامها مضطرب بالأصل والصواب ما أثبت ، يقال : بسّ السويق والدقيق يبسّه بسّا ، خلطه بسمن أو زيت.
(٤) في حلية الأولياء ١ / ٢٦٥ التثبت في الأمر.
(٥) في سير الأعلام ٢ / ٤٦٥ وحلية الأولياء ١ / ٢٦٥ : عزيمة الرشد.
(٦) كذا بالأصل.