فقال : اللهمّ اجعل نصيب آل معاذ الأوفر ، فماتتا (١) ابنتاه فدفنهما في قبر واحد ، وطعن ابنه عبد الرّحمن فقال : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٢) ، فقال : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(٣) ، وطعن معاذ في ظهر كفه فجعل يقلبه ويقول : هي أحب إليّ من حمر النعم ، فإذا سري عنه قال : ربّ غم غمك فإنك تعلم أني أحبك ، ورأى رجلا يبكي عنده يقال له عميرة ، فقال : ما يبكيك؟ فقال : ما أبكي على دنيا كنت أصبتها منك ، ولكني أبكي على العلم الذي كنت أحييه منك ، قال : فلا تبكي فإن إبراهيم كان في الأرض وليس بها عالم فآتاه الله علما ، فإذا أنا متّ فاطلب العلم عند أربعة : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن سلّام ، وسلمان ، وعويمر أبي الدرداء.
قال ابن خزيمة : هذا لفظ حديث بندار ، وقال أبو موسى : فخطب الناس عمرو بن العاص فذكر نحوه يزيد نحو حديث معاذ بن هشام ، وقال : فزاد فيه فبلغ ذلك معاذ بن جبل فذكر الحديث نحو حديث بندار غير أني وجدت في الرقعة المحولة : وإذا عند رجل يبكي يقال له عمير لم أجد في الرقعة هاء.
أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (٤) ، أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، نا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر ، ثنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن عبد الله بن حيان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر مومسة (٥) فقام عمرو بن العاص فقال : يا أيها الناس إنما هذا الوجه (٦) رجس فتنحوا منه ، فقام شرحبيل فقال : يا أيها الناس إنّي قد سمعت قول صاحبكم وإني والله لقد أسلمت وصلّيت ، وإن عمرا (٧) لأضلّ من بعير أهله ، وإنما هو بلاء أنزله الله فاصبروا ، فقام معاذ بن جبل فقال : يا أيها الناس إنّي قد سمعت قول صاحبيكم هذين وإن هذا الطاعون رحمة ربكم ، ودعوة نبيّكم وإني قد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول :
__________________
(١) كذا بالأصل ، والصواب : فماتت.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٤٧.
(٣) سورة الصافات ، الآية : ١٠٢.
(٤) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي ٦ / ٣٨٥.
(٥) في البيهقي : عموسة.
(٦) عن البيهقي وبالأصل : الوجع.
(٧) بالأصل : عمر.