حتى عمرت تلك الأنحاء بعد أن كانت منازل للعربان يعيثون فيها فسادا. ولما حصل الانقلاب العثماني سنة (١٩٠٨) اضطر السلطان المشار إليه إلى التنازل عن هذه المعمورات إلى بيت المال ، فأصبحت ملكا له وأصبح فلاحوها مستأجرين لدى المالك الجديد ، وهو بيت المال أو الحكومة. ويدفع الفلاحون إلى الحكومة عشرين في المائة من المستغلات في بعض الأماكن و ٥٠ ، ٢٢ في المائة في أماكن أخرى (عشر وأجرة أرض معا). وهم وإن كانوا مستأجرين لا يملكون الأرض رسميا فهم يتوارثونها كأنهم مالكون لها والحكومة لا تخرج فلاحا من قريته إلا إذا أتى عملا منكرا من إحداث فتنة أو التمادي على الإضرار بالناس. ولما كانت الحكومة تسلف هؤلاء الفلاحين أموالا بلا ربا وكانت تستوفي من غلات الأرض نسبة أقل منها في قرى الوجهاء ، رجحت حالة الفلاح في أملاك الدولة من كل وجه على حالة الفلاح المسكين الذي يستعبده المتغلبون في قراهم. ومع هذا اقترح على الحكومة منذ نحو سنتين أن تبيع هذه الأملاك من الفلاحين أنفسهم دون سواهم على أن يدفعوا الثمن أقساطا خلال خمس عشرة سنة ، وعلى أن يضمن عدم مد المتغلبة أيديهم لهذه الأرضين ، فأقرت الحكومة البيع مبدئيا. وقد أثبتت لنا الأيام أنه لا يستطيع أن يزيد في غلات الأرض سوى الذين يملكون فيها مساحات متوسطة أو صغيرة.
ولنرجع إلى طريق استثمار الأرض المتبعة اليوم في الشام فنقول : إذا استثنينا الغوطة والمرج وبعض ما يسقى وما حوالي المدن من المزارع ، حيث يستغل بعض أرباب الزراعة أرضهم مباشرة ويدفعون إلى الفلاحين المشتغلين بها أجورا مقطوعة سنوية أو شهرية ، فإن الأرض في سائر الأنحاء تستغل على طريق المزارعة بشرائط مختلفة (بالقسم). ففي حمص وحماة يأخذ صاحب الأرض ربع المحصول فيدفع منه العشر وتبقى الثلاثة الأرباع للفلاح. وفي هذه الحال يلزم الفلاح بجميع النفقات والأعمال ، ولكن صاحب الأرض قد يقرضه البذار بربا في الغالب على أن يستوفيها من البيدر. ويأخذ أصحاب الأرض ربع المحاصيل في بعض قرى حوران ويدفعون منه العشر وضريبة الأرض ويكون الباقي للفلاح مقابل النفقات والأتعاب. لكن الطريقة الشائعة في حوران هي إيجار الأرض بمقدار معلوم من الحب كأن تؤجر (الربعة) بنحو ٥٠ ـ ٦٠ مدا