كان أبو العبّاس عيسى بن علي راهبنا وعالمنا ـ أهل البيت ـ ولم يزل في خدمة أبي محمّد علي بن عبد الله إلى أن توفي ثم خدم أبا عبد الله إلى وقت وفاته ، ثم إبراهيم الإمام ، وأبا العبّاس ، والمنصور ، فحفظ جميع أخبارهم وسيرهم وأمورهم ، وكان قرة عينه في الدنيا إسحاق ابنه ، فليس فينا ـ أهل البيت ـ أحد أعرف بأمرنا من إسحاق ، فاستكثر منه ، واحفظ جميع ما يحدّثك به ، فإنه ليس دون أبيه في الفضل وإيثار الصّدق.
قال : فأعلمته أنّي قد سمعت منه شيئا كثيرا ، فسأله (١) : هل سمعت خبر وفاة أبي العبّاس أمير المؤمنين ، فأعلمته أنّي قد سمعته فقال : قد سمعت هذا الحديث من أبي العبّاس عيسى بن علي ، فحدّثني ما حدثك به إسحاق لأنظر أين هو مما يحدثني به أبوه؟ فقال : حدّثني إسحاق بن عيسى ، عن أبيه أنه دخل في أول النهار من يوم عرفة على أبي العبّاس وهو في مدينته بالأنبار.
قال إسحاق : قال أبي : وكنت قد تخلفت عنه أياما لم أركب إليه فيها ، فعاتبني على تخلّفي عنه ، فأعلمته أنّي كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر ، فقبل عذري ، وقال لي : أنا في يومي هذا صائم ، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك إيّاي ما فاتني من محادثتك (٢) في الأيام التي تخلّفت عني فيها ، ثم تختم ذلك بإفطارك عندي ، فأعلمته أني أفعل ذلك ، وأقمت إلى أن تبيّنت (٣) النعاس في عينيه قد غلب عليه ، فنهضت عنه واستمر به النوم ، فميّلت (٤) بين القائلة في داره وبين القائلة في داري ، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي لأقيل في الموضع التي اعتدت القائلة فيه ، فصرت إلى منزلي وقلت إلى وقت الزوال ، ثم ركبت إلى دار أمير المؤمنين فوافيت إلى باب الرحبة الخارج ، فإذا برجل دحداح (٥) حسن الوجه مؤتزر بإزار متردّ (٦) بآخر ، فسلّم عليّ فقال : هنا الله الأمير (٧) هذه النعمة وكلّ نعمة ، البشرى أنا وافد أهل السّند ، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم ، فما تمالكت سرورا أن حمدت الله عزوجل على توفيقه إيّاي في الانصراف ، رغبة في أن أبشر أمير المؤمنين بهذه البشرى ، فلما توسطت الرحبة حتى وافى رجل مثل لونه وهيئته وقريب الصّورة من صورته ، فسلّم عليّ كما
__________________
(١) تاريخ بغداد : فسألني.
(٢) «من محادثتك» ليس في تاريخ بغداد.
(٣) الأصل : بينت ، والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) تاريخ بغداد : فملت.
(٥) بالأصل : «دخل» والمثبت عن تاريخ بغداد ، والدحداح : الرجل القصير الغليظ البطن.
(٦) أى لابس الرداء.
(٧) تاريخ بغداد : أمير المؤمنين.