فسكت المنصور ثم قال : سمعنا لمن سمع عن الله ، وذكّر به ، وأعوذ بالله أن أكون جبّارا عصيّا ، وأن تأخذني العزّة بالإثم ، لقد ضللت إذا ، وما أنا من المهتدين ، وأنت والله أيها القائل ما الله أردت بهذا ، ولكن حاولت إلى أن يقال : قام ، فقال ، فعوقب ، فصبر ، وأهون بقائلها. ويلك ، إذا سهوت أنا فمن يعلم : وإياكم ، معشر الناس ، وأختها ، فإن الموعظة علينا نزلت ، ومن عندنا أبينت (١) ، فردوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردته.
ثم رجع إلى خطبته كأنه يقرءوها من كفّه ، فقال : وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله.
أخبرنا أبوا (٢) الحسن علي بن أحمد ، وعلي بن الحسن بن سعيد ، قالا : نا ـ وأبو النجم : أنا ـ أبو بكر الخطيب (٣) ، أخبرني أبو الفضل محمّد بن عبد العزيز بن العبّاس بن المهدي الخطيب ، نا الحسن (٤) بن محمّد بن القاسم المخزومي ، نا أحمد بن موسى بن العبّاس بن مجاهد ، نا أبو عبد الله محمّد بن القاسم أبو العيناء ، نا الأصمعي ، قال :
صعد أبو جعفر المنصور المنبر فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به ، وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، فقام إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين اذكر (٥) من أنت في ذكره ، فقال أبو جعفر : مرحبا مرحبا ، لقد ذكرت جليلا ، وخوّفت عظيما ، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له اتّق الله أخذته العزة بالإثم ، والموعظة منّا بدت ، ومن عندنا خرجت ، وأنت يا قائلها فأحلف بالله ، ما الله أردت بها ، وإنّما أردت أن يقال : قام فقال ، فعوقب ، فصبر ، فأهون بها من قائلها واهتبلها الله (٦) ، ويلك ، إنّي غفرتها وإياكم معشر الناس وأمثالها.
وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله ، فعاد إلى خطبته فكأنما يقرءوها من قرطاس.
أخبرنا أبو العزّ بن كادش ـ فيما قرأ عليّ إسناده وناولني إيّاه وقال : اروه عنّي ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (٧) ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، نا أبو الفضل الرّبعي (٨) ، حدّثني أبي قال :
__________________
(١) البداية والنهاية : نبتت.
(٢) الأصل : «أبو» والصواب ما أثبت ، والسند معروف.
(٣) تاريخ بغداد ١٠ / ٥٥.
(٤) الأصل : الحسين ، والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٥) تاريخ بغداد : أذكرك.
(٦) تاريخ بغداد : واهتبلها لله.
(٧) الجليس الصالح الكافي ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٨) عن الجليس الصالح وبالأصل : الربيعي.