لأبي جعفر المنصور : إني لأعلم رجلا إن صلح صلحت الأمّة ، قال : ومن هو؟ قال : أنت.
قال إبراهيم بن حبيب ، نا محمّد بن منصور البغدادي (١) قال (٢) قام (٣) بعض الزهاد بين يدي المنصور فقال : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها ، فاشتر نفسك ببعضها ، واذكر ليلة [تبيت](٤) في القبر لم تبت قبلها ، واذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده.
قال : فاقتحم (٥) أبو جعفر من قوله ، فقال له الربيع : أيّها الرجل ، إنك قد غممت أمير المؤمنين ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين هذا صحبك عشرين سنة لم ير لك عليه أن ينصحك يوما واحدا ، ولا عمل وراء بابك بشيء من كتاب الله تبارك وتعالى ، ولا بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمر له المنصور بمال فقال : لو احتجت إلى مالك لما وعظتك.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد ، قال : حدّثنا ـ [وأبو](٦) منصور بن زريق ، قال :
أنا ـ أبو بكر الخطيب (٧) ، أنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري ، نا محمّد بن عمران بن موسى الكاتب ، أخبرني علي بن هارون ، أخبرني عبد الله بن أحمد بن أبي طاهر ، عن أبيه عن عقبة بن هارون قال : دخل عمرو بن عبيد على أبي جعفر المنصور ـ وعنده المهدي بعد أن بايع له ببغداد ـ فقال له : يا أبا عثمان عظني ، فقال : إن هذا الأمر الذي أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك ، فأحذرك ليلة تمخض بيوم لا ليلة بعده وأنشده (٨) :
يا أيها الذي قد غرّه الأمل |
|
ودون ما يأمل التنغيص والأجل |
ألا ترى أنما الدنيا وزينتها |
|
كمنزل الركب حلّوا ثمت ارتحلوا |
حتوفها رصد ، وعيشها نكد |
|
وصفوها كدر ، وملكها دول |
تظل تقرع (٩) بالروعات ساكنها |
|
فما يسوغ له لين ولا جدل |
__________________
(١) اللفظة غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن تاريخ الخلفاء.
(٢) الخبر في البداية والنهاية بتحقيقنا ١٠ / ١٣١ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٢١.
(٣) بالأصل : «يا» والمثبت عن تاريخ الخلفاء ، وفي البداية والنهاية : ودخل.
(٤) الزيادة للإيضاح عن السيوطي وابن كثير.
(٥) كذا بالأصل ، وفي المصدرين السابقين : «فأفحم» وهو أشبه.
(٦) زيادة لازمة قياسا إلى سند مماثل.
(٧) الخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ١٦٦ ضمن ترجمة وأخبار عمرو بن عبيد.
(٨) الأبيات في تاريخ بغداد ١٢ / ١٦٦ ـ ١٦٧ والبداية والنهاية بتحقيقنا ١٠ / ١٣٢ ومروج الذهب ٣ / ٣٧١.
(٩) تاريخ بغداد : تفزع.