التشميت؟ قال : لأنك لم تحمد الله ، فقال : قد حمدت في نفسي ، قال : قد شمّتك في نفسي ، فقال : ارجع إلى عملك ، فإنك إذا لم تحاسبني لم تحاسب غيري.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبد الله ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنبأ المعافى بن زكريا (١) ، نا القاضي ، نا محمّد بن مزيد البوشنجي ، نا الزبير ، حدّثني عمر بن أبي بكر الموصلي ، عن نمير المدني ، قال :
قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة ومحمّد بن عمران الطلحي (٢) على قضائه ، وأنا كاتبه ، فاستعدى الجمالون (٣) على أمير المؤمنين في شيء ذكروه ، فأمرني أن أكتب إليه كتابا بالحضور معهم ، وإنصافهم (٤) فقلت تعفيني من هذا فإنه يعرف خطي ، فقال : اكتب ، فكتبت ثم ختمه فقال : لا يمضي به والله غيرك ، فمضيت به إلى الربيع (٥) ، وجعلت أعتذر إليه ، فقال : لا عليك (٦) ، فدخل عليه بالكتاب ، ثم خرج الربيع فقال للناس ، وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم : إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم : إني قد دعيت إلى مجلس الحكم ، فلا أعلمن أحدا قام إليّ ، إذا خرجت ، أو تدانى (٧) بالسّلام ، ثم خرج والمسيّب (٨) بين يديه ، والربيع ، وأنا خلفه ، وهو في إزار ورداء ، فسلّم على الناس ، فما قام إليه أحد ، ثم مضى حتى بدأ بالقبر ، فسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم التفت إلى الربيع فقال : يا ربيع ويحك ، أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه لي هيبة ، فيتحول عن مجلسه ، وبالله لئن فعل لا ولي لي ولاية أبدا.
فلما رآه وكان متكئا أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به ، ودعا بالخصوم وبالجمالين (٩) ، ثم دعا بأمير المؤمنين ، ثم ادّعى عليه القوم ، فقضى لهم عليه ، فلما دخل الدار قال للربيع : اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه فقال : يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلّا بعد أن
__________________
(١) الخبر في الجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا ٢ / ٢٨ ـ ٢٩ ونقلها الجهشياري في الوزراء والكتاب ص ١٣٧ ومحاضرات الأبرار ١ / ٢٩٨.
(٢) أخباره في قضاة وكيع ١ / ١٨١ وما بعدها.
(٣) الجليس الصالح : الحمالون.
(٤) الجليس الصالح : أو إنصافهم.
(٥) هو الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة ، أبو الفضل ، ترجمته في تاريخ بغداد ٨ / ٤١٤.
(٦) الجليس الصالح : لا بأس عليك.
(٧) في الجليس الصالح : بدأني.
(٨) هو المسيب بن زهير بن عمرو الضبي (أخباره في تاريخ بغداد ١٣ / ١٣٧).
(٩) الجليس الصالح : وبالحمالين.