فرغ من الناس جميعا ، فلما دخل عليه سلّم ، فقال : جزاك الله عن دينك وعن نبيك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء ، قد أمرت لك بعشرة آلاف دينار ، فاقبضها ، وكانت عامة أموال محمّد بن عمران من تلك الصلة.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأ رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، أنا أحمد بن عبدان ، نا محمّد بن منصور قال :
قال المنصور لرجل خلا به : سل حاجتك ، فقال : يبقيك الله يا أمير المؤمنين ، قال : سل ، فليس يمكنك ذلك في كل وقت ، فقال : ولم يا أمير المؤمنين؟ فو الله ما أستقصر عمرك ، ولا اذهب بخلك ، ولا أغتنم مالك ، إن سؤالك لزين ، وإنّ عطاءك شرف ، وما على أحد بذل وجهه لك نقص ، فاستحسن كلامه وأعطاه.
وأنبأ أحمد بن مروان ، نا أحمد بن عبّاد ، نا المعلّى بن أيوب قال :
دخل رجل على المنصور فقال له : ما بالك (١)؟ فقال : ما يكف وجهي ويعجز عن برّ الصديق ، فقال المنصور : لقد تلطفت للسؤال ، ووصله.
أخبرنا أبوا (٢) الحسن : علي بن أحمد وعلي (٣) بن الحسن ، قالا : ثنا ـ وأبو النجم ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٤) ، قال : حدّثني الحسن بن محمّد الجلال ، نا أحمد بن محمّد بن عمران ، نا إسماعيل بن محمّد الصفّار ، نا محمّد بن يزيد المبرد قال :
دخل أعرابي على المنصور فكلّمه بكلام أعجبه ، فقال له المنصور : سل حاجتك ، فقال : ما لي حاجة يا أمير المؤمنين ، أطال الله عمرك وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك ، قال : ويحك ، سل حاجتك ، فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت ، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت ، قال : ولم يا أمير المؤمنين وأنا لا أستقصر عمرك ، ولا أغتنم مالك ، وإن العرب لتعلم ما في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف ، وما شريف عنك منحرف ، وإن عطاءك زين (٥) ، وما مسألتك بنقص ، ولا شين (٦) ، فتمثل المنصور بقول الأعشى (٧) :
__________________
(١) في المختصر ١٣ / ٣٢٤ والمطبوعة : ما مالك؟.
(٢) الأصل : «أبو» والصواب ما أثبت ، والسند معروف.
(٣) بالأصل : «بن علي» خطأ ، والصواب ما أثبت ، قياسا إلى سند مماثل.
(٤) تاريخ بغداد ١٠ / ٥٨.
(٥) تاريخ بغداد : لشريف ... لزين.
(٦) الأصل : «شيء» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٧) ديوانه ط بيروت ص ١٠٩.