بالرحيل ، فقلت ناديت أمس أنك مقيم بهذا المنزل ثلاثا ، وترحل الساعة؟! قال : أجمت المنزل ، فرحل ورحل الناس ، وقربت له ناقة ليركب ، وجاءوه بمجمر ليتبخر ، فقمت بين يديه ، فقال : ما عندك؟ فقلت : رحل الناس ، فأخذ فحمة من المجمر فبلها بريقه ، وقام إلى الحائط ، فجعل يكتب على الحائط بريقه حتى كتب أربعة أسطر ، ثم قال : اركب يا ربيع ، فكان في نفسي همّ لأعلم ما كتب. ثم حججنا ، فكان من أمر وفاته ما كان. ثم رجعت من مكة ، فبسط في الموضع الذي كان يبسط له فيه ، في القادسية ، فدخلت ، وفي نفسي أن أعلم ما كتب على الحائط ، فإذا هو قد كتب على الحائط (١) :
المرء يأمل أن يعي |
|
ش وطول عمر قد يضرّه |
تبلى بشاشته ويب |
|
قى بعد حلو العيش مرّه |
وتخونه الأيام حت |
|
ى لا يرى شيئا يسره |
كم شامت بي إن هلك |
|
ت وقائل : لله دره |
أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمّد بن المجلي ـ إذنا ومناولة ـ نا أبو الحسين محمّد بن علي بن عبيد الله (٢) بن عبد الصّمد بن المهتدي بالله ، قال : قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمّد بن المكتفي ، نا محمّد بن الحسن بن دريد ، نا العكلي ، حدّثني عبد الله بن عمرو بن خليد بن رعلة بن محدوج الشيباني ـ وكان من أصحاب عمر بن الخطّاب ـ قال : حدّثني الربيع ، قال :
لما مرض أمير المؤمنين المنصور بالله مرضه الذي مات فيه بمكة أتيته يوما وهو وحده فنظر إلى القبلة فرأى فيها كتابا ، فقرأه وقال : يا ربيع ، قم بيني وبين القبلة ، فإذا الكتابة في صدري ، فقال : افتح الباب ، فعاد الكتاب إلى القبلة ، فقال : ظننت هذا من حيلة الآدميين ، وإذا فيه (٣) :
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت |
|
سنوك ، وأمر الله لا بد واقع (٤) |
__________________
(١) الأبيات للبيد ، ذيل ديوانه ص ٢٣٤ وبدون نسبة في تاريخ بغداد ١٠ / ٦١ والبداية والنهاية بتحقيقنا ١٠ / ١٣٣ ورواية الديوان مختلفة.
(٢) الأصل : عبد الله.
(٣) البيتان في مروج الذهب ٣ / ٣٧٥ والطبري ٨ / ١٠٧ والبداية والنهاية بتحقيقنا ١٠ / ١٣٥ والفتوح لابن الأعثم ٨ / ٢٣٧.
(٤) مروج الذهب : «نازل» ، وفي ابن الأعثم : لا شك واقع.