ذلك الشيء ، ثم عاودني بقوله ، حتى فهمته وحفظته ، وهو (١) :
كأني بهذا القصر قد باد أهله |
|
وعري (٢) منه أهله (٣) ومنازله |
وصار رئيس (٤) القوم من بعد بهجة |
|
إلى جدث تبنى عليه (٥) جنادله |
وما أحسبني يا ربيع إلّا قد حانت وفاتي ، وحضر أجلي ، وما لي غير ربي ، قم فاجعل لي غسلا ، ففعلت ، فقام فاغتسل ، وصلى ركعتين وقال : أنا عازم على الحج ، فهيأنا له آلة الحج ، فخرج وخرجنا ، حتى إذا انتهينا إلى الكوفة نزل النجف ، فأقام أياما ، ثم أمر بالرحيل ، فتقدمت بوانيه وجنده ، وبقيت أنا وهو في القصر ، وشاكريته بالباب ، فقال لي : يا ربيع ، جئني بفحمة من المطبخ ـ يعني ـ فجئته فقال : اخرج ، وكن مع دابتي إلى أن أخرج ، فلما خرج وركب إلى الموضع كأني أطلب حاجة فوجدته قد كتب على الحائط بالفحمة (٦) :
المرء يهوى أن يعي |
|
ش وطول عيش قد يضرّه |
تفنى بشاشته ويب |
|
قى بعد حلو العيش مرّه |
وتصرف الايام حت |
|
ى ما يرى شيئا يسرّه |
كم شامت بي إن هلك |
|
ت وقائل : لله درّه |
أخبرنا أبوا (٧) الحسن ، قالا : نا ـ وأبو النجم ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٨) ، أنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدقاق ، نا محمّد بن أحمد بن البرّاء ، حدّثني أحمد بن هشام قال : قال الربيع : بينا أنا مع أبي جعفر المنصور بطريق مكة تبرّز فنزل ، فقضى حاجته ؛ فإذا الريح قد ألقت رقعة فيها مكتوب :
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت |
|
سنوك وأمر الله لا بدّ واقع |
قال : فناداني : يا ربيع ، تنعي إليّ نفسي في رقعة؟ فقلت : لا والله ، ما أعرف رقعة ، ولا
__________________
(١) البيتان في الطبري ١٠ / ١٢ وابن الأثير ٦ / ٨١ ومروج الذهب ٣ / ٣٩٥ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٠٢ والبداية والنهاية ١٠ / ١٣٦.
(٢) البداية والنهاية : وأوحش.
(٣) في المصادر السابقة (عدا البداية والنهاية) : ركنه.
(٤) في المصادر (عدا ابن كثير) : عميد.
(٥) الطبري وابن الأثير ومروج الذهب : وملك إلى قبر عليه.
(٦) تقدمت الأبيات قريبا.
(٧) الأصل : «أبو» والسند معروف.
(٨) تاريخ بغداد ١٠ / ٦٠.