وجاء الخلنجي فجلس كما كان يجلس فالتصقت ذنبته بالدّبق ، وتمكن منها. فلما تقدم إليه الخصوم ، وأقبل عليهم بجميع جسده كما كان يفعل انكشف رأسه ، وبقيت الذنبة في موضعه مصلوبة وقام الخلنجي مغضبا ، وعلم أنها حيلة وقعت عليه ، فغطى رأسه بطيلسانه وقام ، فانصرف وتركها مكانها حتى جاء بعض أعوانه فأخذها.
وقال بعض شعراء أهل ذلك العصر فيه :
إنّ الخلنجي من تتايهه |
|
أثقل باد لنا بطلعته |
ما تيه ذي (١) نخوة مناسبه |
|
بين أخاوينه وقصعته |
يصالح الخصم من يخاصمه |
|
خوفا من الجور في قضيّته |
لو لم تدبّقه (٢) كفّ قانصه |
|
لطارتيها على رعيّته |
قال : وشهرت الأبيات والقصة ببغداد ، وعمل علّوية حكاية أعطاهما الزفانين (٣) والمخنثين فأحرقوه (٤) فيها ، وكان علّوية يعاديه لمنازعة كانت بينهما ففضحه ، واستعفى الخلنجي من القضاء ببغداد وسأل أن يولّى بعض الكور البعيدة فولّي جند دمشق أو حمص فلمّا ولي المأمون الخلافة غناه علّوية بشعر الخلنجي وهو (٥) :
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي |
|
أتاك به الواشون عني كما قالوا |
ولكنهم لما رأوك غريّة |
|
بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا |
فقد صرت إذنا للوشاة سميعة |
|
ينالون من عرضي (٦) ولو شئت ما نالوا |
فقال له المأمون : من يقول هذا الشعر؟ قال : قاضي دمشق ، فأمر المأمون بإحضاره فكتب إلى صاحب دمشق بإشخاصه فأشخص وجلس المأمون [للشرب](٧) وأحضر علّوية ودعا بالقاضي فقال له : أنشدني قولك :
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي
فقال له : يا أمير المؤمنين هذه أبيات قلتها منذ أربعين سنة وأنا صبي ، وو الذي أكرمك
__________________
(١) الأغاني : «ما إن لذي نخوة مناسبة» والأخاوين جمع خوان وهو ما يؤكل عليه الطعام.
(٢) التدبيق : صيد الطائر بالدّبق.
(٣) الزفانون : الرقاصون.
(٤) الأغاني : فأحرجوه.
(٥) الأبيات في الأغاني ١١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ والوافي ١٧ / ٤٤٤.
(٦) عن المصدرين السابقين وبالأصل : غرض.
(٧) الزيادة عن الأغاني.