وخزائن رحمته ، والسلام عليك (١).
أخبرنا أبو محمّد عبد الجبّار بن محمّد بن أحمد الفقيه ، وأبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أحمد بن الحسين بن علي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، نا محمّد بن إسحاق الصنعاني ، نا محمّد بن عبد الله بن كناسة ، نا جعفر بن برقان ، عن معمر البصري ، عن أبي العوّام البصري قال :
كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري : إنّ القضاء فريضة محكمة ، وسنّة متّبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ، وآس بين الناس في وجهك ، ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك ، البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلح (٢) أحل حراما ، أو حرّم حلالا ، من ادّعى حقا غائبا أو بينة فاضرب له أمدا ينتهي إليه ، فإن جاء ببيّنة أعطيته حقه ، فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية ، فإن ذلك أبلغ في العذر ، وأجلى للعمى ، ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه لرأيك ، وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق ، لأن الحق قديم ، لا يبطل الحق شيء (٣) ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادات ـ أو قال زاهر : في الشهادة ـ إلّا مجلود في حدّ ، أو مجرب عليه شهادة الزور ، أو ظنين (٤) في ولاء أو قرابة ، فإن الله عزوجل تولى من العباد السرائر ، وستر عليهم الحدود إلّا بالبيّنات والأيمان ، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في قرآن أو سنّة ثم قايس الأمور عند ذلك ، وأعرف الأمثال والأشباه ، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى ، وأشبهها بالحق ، وإيّاك والغضب ، والقلق والضجر ، والتأذي بالناس عند الخصومة ، والتكبّر (٥) ، فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذخر ، فمن خلصت نيته في الحق ، ولو على نفسه ، كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزيّن (٦) لهم بما ليس في قلبه شانه الله ، فإن الله لا يقبل من العباد إلّا ما كان له خالصا ، وما ظنّك بثواب غير الله في عاجل رزقه ، وخزائن رحمته.
__________________
(١) في المطبوعة : عليكم.
(٢) كذا بالأصل ول ، والصواب صلحا.
(٣) سقطت من ل.
(٤) كذا بالأصل ول : «مجلود ... مجرب ... ظنين» والصواب : «مجلودا ... مجربا ... ظنينا».
(٥) كذا ، وفي ل : التنكر.
(٦) في ل : يرى.