أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، وأبو المعالي محمّد بن إسماعيل ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، نا الأستاذ أبو طاهر محمّد بن محمّد بن محمش ـ إملاء ـ وقراءة عليه من أصل كتابه ، أنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن يحيى بن بلال ، نا يحيى بن الربيع المكي ، نا سفيان بن عيينة ، عن إدريس الأودي قال : أخرج إلينا سعيد (١) بن أبي بردة كتابا فقال : هذا كتاب عمر إلى أبي موسى :
أما بعد ، فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنّة متّبعة ، افهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا تنفع كلمة بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا يخاف ضعيف من جورك ، البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما ، أو حرّم حلالا ، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت الحق ، فإنّ الحق قديم ، لا يبطل الحق شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسنة ، فتعرّف الأمثال والأشباه ، ثم قس الأمور عند ذلك ، واعمد إلى أحبّها إلى الله ، وأشبهها فيما ترى ، اجعل للمدّعي أمدا ينتهي إليه ، فإن أحضر بيّنته (٢) وإلّا وجهت عليه القضاء ، فإن ذلك أجلى للعمى ، وأبلغ في العذر ، والمسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلّا مجلودا (٣) في حدّ ، ومجربا بشهادة الزور ، وظنينا في ولاء أو قرابة ، فإن الله تعالى يتولى منكم السرائر ، ودرأ (٤) عنكم الشبهات ، ثم إياك والضجر ، والقلق ، والتأذي بالناس ، والتكبر (٥) في الخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ، ويحسن بها الذخر ، فإنه ـ أظنه قال : ـ من يخلص نيّته فيما بينه وبين الله يكفه (٦) الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزيّن للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله ، فما ظنك بثواب غير الله تعالى في عاجل الدنيا وخزائن رحمته ، والسلام.
واللفظ للفراوي.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتّاني ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا
__________________
(١) في ل : سعد.
(٢) في المطبوعة : بينة.
(٣) بالأصل : مجلود.
(٤) في ل : وذرأ.
(٥) كذا ، وفي ل : والتنكر.
(٦) تقرأ بالأصل «بلغه» وفي ل : «يكفيه» والصواب ما أثبت.