صنم في بيته يكرمه ويمسحه من الغبار ، ويضع عليه ثوبا ، وكان يكلّم في الإسلام فيأباه ، وكان عبادة بن الصّامت له خليلا ، فقعد له يوما يرصده ، فلمّا خرج من بيته دخل عبادة ومعه قدوم وزوجته عند أهلها فجعل يفلّذه فلذة فلذة وهو يقول :
ألا كلّ ما يدعى مع الله باطل
ثم خرج وأغلق الباب ، فرجع كعب إلى بيته ، فنظر إلى الصنم قد كسر فقال : هذا عمل عبادة ، فخرج مغضبا وهو يريد أن يشاتم عبادة إلى أن فكر في نفسه فقال : ما عند هذا الصنم من طائل ، لو كان عنده طائل حيث جعله جذاذا (١) لا متنع ، ومضى حتى دق على عبادة فأشفق عبادة أن يقع به ، فدخل عليه فقال : قد رأيت أن لو كان عنده طائل ما تركك تصنع به ما رأيت ، وإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله قال : ثم شهد كعب بعد ذلك المشاهد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وروى عنه أحاديث.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم. ح وأنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمّد الحداد ، أنبأنا أبو الحسن عبد الرّحمن بن محمّد ابن عبيد الله الهمذاني. قالا : أنبأنا سليمان بن أحمد الطّبراني ، حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم الدّيباجي التّستري ، حدّثنا أحمد بن عيسى المصري ، حدّثنا ضمام بن إسماعيل (٢) ، حدّثني يزيد بن أبي حبيب ، وموسى بن وردان عن كعب بن عجرة قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم يوما فرأيته متغيّرا ، قال : قلت : بأبي أنت ، ما لي أراك متغيرا ، قال : «ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث» ، قال : فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا فسقيت له على كلّ دلو بتمرة ، فجمعت تمرا ، فأتيت به النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «من أين لك يا كعب» فأخبرته ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أتحبني يا كعب؟» قلت : بأبي أنت نعم ، قال : «إنّ الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه (٣) ، وإنه سيصيبك بلاء فأعدّ له تجفافا» (٤) قال : ففقده النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «ما فعل كعب؟» قالوا : مريض ، فخرج يمشي حتى دخل عليه ، فقال : «أبشر يا كعب» ، فقالت أمّه : هنيئا لك الجنة يا كعب ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من هذه المتألية على الله؟» قال : هي أمّي يا رسول الله ، قال : «ما يدريك يا أم كعب ، لعلّ كعبا قال ما لا ينفعه أو منع ما لا يعنيه» (٥) [١٠٦٣٢].
__________________
(١) الجذاذ والجذاذ : ما كسر من الشيء ، يقال : جذذت الشيء كسرته وقطعته.
(٢) من طريقه روي في سير أعلام النبلاء ٣ / ٥٤ وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٤١ ـ ٦٠) ص ٢٩٤.
(٣) كذا بالأصل ، وم ، و «ز» ، وسير الأعلام ، وفي تاريخ الإسلام : مجاريه.
(٤) التجفاف : ما يجلل به الفرس من سلاح أو آلة تقية الجراح.
(٥) كذا بالأصل وم وفي «ز» : والمصدرين : يغنيه.