لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم ، حبّبهم إلى الناس ، وأبقى لهم ذكرا ، وأخرج فضائلهم التي غاص عليها البحار ، ولولاه لما عرف الناس قبائل نزار من غيرها ، ولا فضائلها.
قال محمّد : وأنبأنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن عرفة ، أنبأنا المبرّد عن الزيادي قال :
كان عمّ الكميت رئيس قومه فقال له يوما : يا كميت لم لا تقول الشعر؟ ثم أخذه فأدخله ماء كان لهم ، وقال : لا أخرجتك منه أو تقول الشعر ، فمرّت به قبّرة فأنشأ متمثلا يقول :
يا لك من قبّرة بمعمر |
|
خلا لك الجوّ فبيضي واصفري |
ونقّري ما شئت أن تنقّري |
فقال له عمه : إنّما حلفت أنك تقول شعرا وقد قلته ، فاخرج فقال : والله لا خرجت من الماء أو أقول شعرا لنفسي. فما رام من الماء حتى قال قصيدته المشهورة ، وهي أول شعره ثم غدا على عمه فقال له : اجمع لي العشيرة ليسمعوا قولي ، فجمع له العشيرة ثم قام فأنشد (١) :
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب |
|
ولا لعبا مني ، وذو الشيب يلعب |
ثم قال له عمه : ثم ما ذا؟ فقال :
ولم تلهني دار ولا ربع (٢) منزل |
|
ولم يتطربني بنان مخضّب |
فقال له عمه : ثم ما ذا؟ فقال :
ولا أنا ممن يزجر الطير همّه |
|
أصاح غراب أم يعرّض ثعلب (٣) |
ولا السانحات البارحات عشية |
|
أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب (٤) |
فقال له عمه : فأي شيء؟ فقال :
ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى (٥) |
|
وخير بني حواء ، والخير يطلب |
__________________
(١) الخبر برواية مختلفة في الأغاني ١٧ / ٢٨ وانظر شرح هاشميات الكميت لأبي رياش القيسي.
(٢) في شرح هاشميات الكميت : رسم منزل.
(٣) يقول : لست ممن همه زجر الطير لأني جربت الأمور. وتعرض ثعلب أي أخذ يمينا وشمالا.
(٤) السانح : الذي يجيء من يسارك إلى يمينك ويوليك ميامنه والأعضب : المكسور أحد قرنيه.
(٥) النهى : العقول ، واحدها : نهية.