فقال هارون في عرض كلامه لها : أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنّة ، ثم ندم واغتمّا جميعا بهذه اليمين ، ونزل بهما مصيبة لموضع ابنة عمّه منه ، فجمع الفقهاء وسألهم عن هذه اليمين ، فلم يجد منها مخرجا ، ثم كتب إلى سائر البلدان من عمله أن يحمل إليه الفقهاء من بلدانهم ، فلمّا اجتمعوا جلس لهم وأدخلوا عليه ، وكنت واقفا (١) بين يديه لأمر إن حدث يأمرني بما شاء فيه ، فسألهم عن يمينه وكنت المعبّر عنه ، وهل له منها مخلص ، فأجابه الفقهاء بأجوبة مختلفة ، وكان إذ ذاك فيهم الليث بن سعد فيمن أشخص من مصر ، وهو جالس في آخر المجلس لم يتكلم بشيء ، وهارون يراعي واحدا واحدا ، فقال بقي (٢) ذلك الشيخ في آخر المجلس لم يتكلم بشيء ، فقلت له : إن أمير المؤمنين يقول لك : ما لك لا تتكلم كما تكلّم أصحابك؟ فقال : قد سمع أمير المؤمنين قول الفقهاء وفيه مقنع ، فقال : قل : إن أمير المؤمنين يقول : لو أردنا ذلك سمعنا من فقهائنا ولم نشخصكم من بلدانكم ، فلما ذا أحضرت هذا المجلس؟ فقال : يخلّيني أمير المؤمنين مجلسه إن أراد أن يسمع كلامي في ذلك ، فانصرف من كان بحضرة أمير المؤمنين من الفقهاء والناس ، ثم قال له : تكلم ، فقال : يدنيني أمير المؤمنين ، فأمر به فأدني حتى كان قريبا منه ، قال : تكلم ، قال : يخلّيني أمير المؤمنين ، قال : فليس بالحضرة إلّا هذا الغلام ، وليس عليك منه عين ، فقال : يا أمير المؤمنين أتكلم على الأمان وعلى طرح التعمل والهيبة والطاعة لي من أمير المؤمنين في جميع ما أمر به؟ قال : ذلك لك ، قال : يدعو أمير المؤمنين بمصحف جامع ، فأمر به فأحضر ، فقال : يأخذه أمير المؤمنين فيتصفحه حتى يصل إلى سورة الرّحمن ، فأخذه وتصفّحه حتى وصل إلى سورة الرّحمن ، فقال : يقرأ أمير المؤمنين ، فقرأ ، فلما بلغ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قال : قف يا أمير المؤمنين هاهنا ، فوقف ، فقال : يقول أمير المؤمنين : والله (٣) ، فاشتد على الرشيد وعلي ذلك ، فقال له أمير المؤمنين (٤) : ما هذا؟ قال : يا أمير المؤمنين على هذا وقع الشرط ، فنكس أمير المؤمنين رأسه ، وكانت زبيدة في بيت مسبل عليه ستر قريب من المجلس تسمع الخطاب ، ثم رفع هارون رأسه إليه فقال : والله ، قال : الذي لا إله إلّا هو الرّحمن الرحيم ، إلى أن بلغ آخر اليمين ، ثم قال : إنّك يا أمير المؤمنين تخاف مقام الله ، قال هارون : إنّي
__________________
(١) بالأصل : واقف ، والمثبت عن م ، ود.
(٢) بالأصل : «فقال لفتى» والمثبت عن د.
(٣) كذا بالأصل وم ، و «والله» ليس في د.
(٤) كذا بالأصل : «أمير المؤمنين» وفي م ، ود : هارون.