المحارم ، ولا يشار إليك بالمكارم ، ولا تستشار في القوم ولا يرجى لدفع اليوم ، والله لو لا مكان أمير المؤمنين وحقّه لاستوعرت مركبك ، [ولاستطلت موكبك](١) ولأوردتك موارد تضيق بمصادرها.
فقال ابن هراسة : والله لأنت أضعف كوعا ، وأهون كرسوعا ، وأقصر بوعا ، وأقلّ ورعا من أن تذكر منا شيئا نعرفه ، وتناول منا شيئا نكرهه ، ولكن قل في تضييعك الأمانة ، وإظهارك الخيانة ، كيف تبدل من حلاوتها علقما ، وتمج من مسكنتها دما حين يطلع أمير المؤمنين على خيانتك ويفشو له صنيعك.
فلمّا سمع عبد الملك مقالتهما خشي أن يبلغ أمرهما إلى أعظمه فعزم عليهما حتى سكتا ، وخرج الحجّاج من فوره إلى واسط ، وفتح الله بعد ذلك على المختار فتحا من قبل أفريقية ، فبعث وفدا إلى الحجّاج وهو إذ ذاك على العراق ، وبعث فيهم كثير بن هراسة فدخل كثير بن هراسة على عبد الملك فقام بين يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الله جعلك لنا ملجأ وعزّا وحرزا ، نؤول إليه إن أصابتنا نائبة ، أو دهمتنا بائقة ، وقد بعثتني (٢) يا أمير المؤمنين إلى بلد أتخوفه ، وأمير أفرقه ، قد شمخ بأنفه دون السماء ، واجترأ على الدماء بأرض مجهلة ، نائية ، ليس بها عشيرة ولا حفدة ، فليقلني (٣) أمير المؤمنين إذ كبرت (٤) ويتركني إذ سهوت ، فإنّ ذلك بي أرفق ، ولي موافق.
فقال له عبد الملك : انطلق ، فلعمري للحجّاج أحكم رأيا وأصدق وأيا أن يأخذك بإحنة ، وأيم الله لئن فعل ليفارقن إمارته ، وليذوقن مرارته ، وليتركن الكرامة ، وليندمن على العواقب كلّ الندامة ، وإلا فبالحري أن يكون قد أحكمته التجارب ، وقوّمته العواقب ، وثاب إليه عقله وتجرّد (٥) عنه جهله.
قال : فخرج الوفد حتى قدموا على الحجّاج ، فجعل يتصفّحهم رجلا رجلا حتى مرّ به كثير ، فتجاهل عليه حتى كأنه لا يعرفه ، فقال له : من أنت؟ فقال : أصلح الله الأمير ، أنا كثير
__________________
(١) الزيادة عن م و «ز».
(٢) الأصل : بعثته ، وفي «ز» : بعثني ، والمثبت عن م.
(٣) بالأصل وم : فليقيلني ، وفي «ز» : فليقتلني.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : كبوت ، وهو أوجه.
(٥) رسمها بالأصل : «ونمرد» وفي م : وغرب ، والمثبت عن «ز».