وذكر ابن إسحاق عن سالم أبي النّضر قال : كان بلعم ببالعة (١) قرية من قرى البلقاء.
أخبرنا أبو الوحش سبيع بن المسلم ، وأبو تراب حيدرة بن أحمد ـ إذنا ـ قالا : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي ، أخبرني محمّد (٢) بن أحمد بن رزقوية ، أنبأنا أحمد بن سندي (٣) ، حدّثنا الحسن بن علي القطان ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، حدّثنا إسحاق بن بشر ، أنبأنا أبو إلياس ـ يعني ـ عبد المنعم (٤) بن إدريس عن وهب بن منبّه عن كعب قال : إنّ يوشع بن نون لما حضرته الوفاة استخلف على بني إسرائيل كالب بن يوقنا ، ولم تكن لكالب نبوة ، ولكنه كان رجلا صالحا ، وكانت بنو إسرائيل منقادة له ، فوليهم زمانا يقسم فيهم من طاعة الله ما كان يقيم يوشع بن نون ، والناس لا يختلفون عليه يعترفون له بالفضل ، وذلك مما كان الله جلّ وعزّ أكرمه حتى قبضه الله على منهاج يوشع ، واستخلف ابنا له يقال له يوسافاس بن كالب ، وهو نظير يوسف بن يعقوب في الحسن والجمال ، فافتتن الناس بالنظر إليه يردون إليه من كلّ أفق ، حتى شغله ذلك عن حكم بني إسرائيل ، وكن (٥) النساء كدن أن يغلبنه على نفسه ، وكانوا يأتونه زوارا ويقولون له : أيها العبد الصالح أتيناك لتعلمنا وتفقهنا في ديننا ، ويجعلون ذلك علة لما يريدون من النظر إليه حتى ضاعت الحدود والأحكام ، وافتتن به النساء فتنة عظيمة ، خاف منها الله عزوجل ، فدعا ربه ورغب إليه أن يغيّر حسنه وجماله ، وأن يضرب وجهه بآفة من البلاء تشوّهه ويغيّر حسنه ، وأن يسلم له سمعه ولسانه ، وبصره ، وعقله ، وقلبه ، وجسده ، فضربه الله بالجدري ، فشتر عينيه ومعط لحيته وحاجبيه ، وخرم أنفه وأذنيه ، وقشر أديم وجهه ، فاستقل من ذلك الوجع مشوّها معيرا مسرورا بذلك فرحا يعدّها نعمة من الله ، حتى أنكره كثير ممن كان يعرفه ، ورقّت له النساء يبكين عليه حزنا ورحمة ، وتلهفا على ما فاتهن من حسنه وصفاء لونه ، ولما صار إليه من البلاء حتى صار فيهم مثل مشغلته الأولى ، فلما رأى ذلك سأل ربه أن يشوّه وجهه بعاهة أخرى يقذرنه النساء ويكرّهه إليهن (٦) فاسا (٧) أسفل وجهه الذقن والفم ، حتى صار له خرطوم مثل خرطوم السبع فيه أضراس ، فقصر الناس
__________________
(١) راجع معجم البلدان ١ / ٣٢٩.
(٢) بالأصل : «أحمد بن محمد» وفوقهما علامتا تقديم وتأخير ، والمثبت يوافق ما جاء في م ، و «ز».
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : سيدي.
(٤) بالأصل : عبد المؤمن ، والمثبت عن م و «ز».
(٥) كذا بالأصل وم و «ز».
(٦) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : ويكرهنه إليه.
(٧) كذا رسمها بالأصل و «ز» ، وفي م : فأتينا.