وقال له : احتكم ، قال : وقد جعلت ذاك إلي؟ قال : نعم ، قال : مائة ألف ، قال : ويحك ، مائة ألف ، قال : أعلى جود أمير المؤمنين أبقى (١) أم على بيت المال؟ قال : ما بي استكثارها ، ولكن أكره أن يقول الناس أعطى شاعرا مائة ألف ، ولكن فيها عروض قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فكان يحضر سمر يزيد ويدخل عليه ، فقال له ليلة : يا أمير المؤمنين ما يعني الشماخ بن ضرار بقوله (٢) :
إذا عرقت مغابنها وجادت |
|
بدرّتها قرى حجن قتين (٣) |
فسكت عنه يزيد ، فقال : بصبصن إذ حدين (٤) ثم أعاد بصبصن إذ حدين (٥) فقال يزيد : وما على أمير المؤمنين لا أم لك أن يعرف هذا هو القراد أشبه الدواب بك ، وكان قصيرا متقارب الخلق ، فحجب عن يزيد فلم يصل إليه ، فكلّم مسلمة بن عبد الملك يزيد فقال : يا أمير المؤمنين مدحك ، قال : بكم مدحنا؟ قال : بسبع قصائد ، قال : فله سبع مائة دينار ، والله لا أزيده عليها.
أخبرنا أبو الحسن (٦) محمّد بن محمّد ، وأبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالوا : أنبأنا أبو جعفر العدل ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، أنبأنا أحمد بن سليمان ، حدّثنا الزبير قال (٧) : وكان كثيّر شيعيا حربيا يزعم أنّ الأرواح تناسخ ، ويحتج بقول الله عزوجل : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)(٨) ويقول : ألا ترى أنه محوّله في صورة بعد صورة.
قال : وحدّثنا الزبير (٩) ، حدّثني محمّد بن إسماعيل بن جعفر عن سعيد بن عقبة الجهني ، عن أبيه قال :
سمعت كثيّرا ينشد علي بن عبد الله بن جعفر لنفسه في محمّد بن علي بن أبي طالب (١٠) :
أقر الله عيني إذ دعاني |
|
أمين الله يلطف في السّؤال |
وأثنى في هواي عليّ خيرا |
|
وساءل عن بنيّ وكيف حالي |
__________________
(١) في طبقات فحول الشعراء : أبغى.
(٢) ديوان الشماخ ص ٩٥.
(٣) المغابن ، واحدها مغبن ، وهي مراق الجلد. والقتين : القليل الدم.
(٤) الأصل وم و «ز» : «حديثا» والمثبت عن طبقات فحول الشعراء.
(٥) راجع الحاشية السابقة.
(٦) في «ز» : الحسين.
(٧) الخبر في الأغاني ٩ / ١٧.
(٨) سورة الانفطار ، الآية : ٨.
(٩) الخبر والشعر في الأغاني ٩ / ١٦.
(١٠) الأبيات في ديوانه ص ١٨٢ يمدح ابن الحنفية.