عنده؟ قال : وما نصنع عنده ، إذا والله تجد عنده أسود يؤثره عليك ، فقال : إن هذا من عداوة الشعراء بعضهم لبعض ، قال : فانهض بنا إذا لا أبا لغيرك ، قال الفرزدق فأردفت كثيّرا وقلت له : تلفف يا أبا صخر فإنّ مثلك لا يكون ردفا ، فخمّر رأسه وألصق بي وجهه ، فجعلت لا أمرّ بمجلس قوم إلّا قالوا : من هذا وراءك يا أبا فراس؟ فأقول : جارية وهبها لي الأمير ، فلما أكثرت عليه من ذلك واجتاز ببني زريق وكان يبغضهم فسألوني ، فقلت لهم ما كنت أقول قبل ذلك ، فكشف رأسه وارتفض وقال : كذب ، ولكنّي كنت أكره أن أكون له ردفا ، كان حديثه لي معجبا فركبت وراءه ولم يكن دابة أركبها إلّا دابته ، فقالوا : لا تعجل يا أبا صخر ، فهذه دوابّ كثيرة تركب منها ما أردت فقال : دوابكم والله أبغض إليّ من ردفه ، فسكتوا عنه ، فجعل يتغشم عليهم حتى جاوز أقصاهم فقلت : والله ما قالوا لك بأسا قال : إنّي والله ما أعلم نفيرا أشدّ بغضا للقرشيين من نفير اجتزت بهم ، قلت : ما أنت وقريش لا أرض لك ، قال : أنا والله أحدكم ، قلت : إن كنت أحدهم فأنت دعيّهم قال : دعيهم خير من صحيح نسب العرب ، وإلا أنا والله من أكرم بيوتهم ، أنا أحد بني الصلت بن النضر ، فقلت : أما قريش أولاد فهر بن مالك فقال : كذبت ، وما علمك يا بن الجعداء بقريش ، هم بنو النضر بن كنانة (١) ، ألا ترى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اعتزى إلى النّضر فلم يكن ليجاوز أفضل نسبه قال : فخرجنا حتى أتينا الأحوص ، فوجدناه في مشربة له ، فقلنا : أنرقى إليك أو تنزل إلينا؟ قال : لا أقدر على ذاك عندي أم جعفر ، ولم أرها منذ أيام ولي فيها شغل ، فقال لي كثيّر : أم جعفر والله بعض عبيد الزرانيق قال : فقلنا له : فأنشدنا بعض ما أحدثت ، فأنشدنا :
يا بيت عاتكة التي أتغزّل
حتى أتى على آخرها.
قال الفرزدق : فقلت لكثيّر : قاتله الله ما أشعره لو لا ما أفسد به نفسه قال : ليس هذا فساد ، هذا خسف إلى النجوم ، قلت : صدقت ، فانصرفنا من عنده ، فقال : أين تريد؟ قلت : إن شئت فمنزلي وأحملك على البغلة وأهب لك المطرف ، وإن شئت فمنزلك ولا أرفدك شيئا (٢) ، قال : بل منزلي وأبذل لك ما قدرت عليه ، فانصرفنا إلى منزله ، فجعل يحدّثني وينشدني حتى جاءت الظهر ، فدعا لي بعشرين دينارا فقال : استعن بها يا أبا فراس على مقدمك ، فقلت : هذا أشد
__________________
(١) من قوله : فقلت : أما قريش إلى هنا سقط من «ز».
(٢) من قوله : فمنزلي إلى هنا سقط من «ز».