باليمن (١) ، فخافت أمّي علي الضيعة وقالت : الحق بأهلك فتكون مثلهم ، فإنّي أخاف أن تغلب على نسبك ، فجهّزتني إلى مكة ، فقدمتها وأنا يومئذ ابن عشر أو شبيها بذاك ، فصرت إلى نسيب لي ، وجعلت أطلب العلم ، فيقول لي : لا تشتغل بهذا وأقبل على ما ينفعك ، فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزقني الله منه ما رزق.
قال : وأنبأنا ابن أبي حاتم ، حدّثنا محمّد بن روح قال : سمعت الزبير بن سليمان القرشي يذكر عن الشّافعي قال : طلبت هذا الأمر عن خفة ذات يد ، كنت أجالس الناس وأتحفظ ، ثم اشتهيت أن أدوّن ، وكان منزلنا بمكة بقرب شعب الخيف (٢) ، فكنت آخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها حتى امتلأ في دارنا من ذلك جبان.
قال : وأنبأنا ابن أبي حاتم ، حدّثني أبو بشر بن أحمد بن حمّاد الدولابي في طريق مكّة ، حدّثني أبو بكر بن إدريس ورّاق الحميدي قال : أخبرني عن الشّافعي قال : كنت يتيما في حجر أمي ، ولم يكن معها ما تعطي المعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام ، فلمّا ختمت القرآن دخلت المسجد ، وكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث ـ أو المسألة ـ وكانت لنا جرة قديمة فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرّة (٣).
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن علي ، أنبأنا عبيد الله ابن أحمد بن عثمان ، حدّثنا الحسن بن الحسين بن حمكان ، حدّثني الزبير بن عبد الواحد الأسدآباذي ، حدّثنا الحسن بن سفيان ، حدّثنا محمّد بن إدريس أبو حاتم الرازي ـ إملاء علي من حفظه ـ قال : سمعت عبد الله بن الزّبير بن عيسى الحميدي قال : سمعت محمّد بن إدريس يقول : كنت يتيما في رقبة أمي ، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا كان غائبا ، وأخفف عنه إذا حضر ، فلمّا ختمت القرآن قلت : يا نفس قد حصل لك القطب الأعظم فدخلت المسجد ، فكنت أجالس العلماء والفقهاء فكنت إذا سمعت منهم الحديث أو المسألة حفظتها ، وكان منزلنا في شعب الخيف ، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فآخذه وأكتب فيه الحديث ـ أو المسألة ـ وأطرحه في جرة كانت عندنا قديمة ، فقدم علينا والي اليمن ، فكلّمه بعض القرشيين في أن أصحبه ولم يكن عند أمي ما
__________________
(١) كذا بالأصول وتهذيب الكمال وسير أعلام النبلاء وزاد الذهبي بعدها : «يعني القبيلة ، فإن أمه أزدية» وتقدم عن الشافعي قوله أنه ولد بغزة.
(٢) الخيف : راجع معجم البلدان ٢ / ٤١٢.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٠ / ١١ وتاريخ الإسلام (٢٠١ ـ ٢١٠) ص ٣١٠ وحلية الأولياء ٩ / ٧٣.