تعطيني أتحمل به ، فرهنت دارها على ستة عشر دينارا ، ودفعتها إليّ ، فتحمّلت بها مع والي اليمن ، فلمّا وصلنا سالمين استعملني على عمل ، فحمدت فيه ، فزادني عملا آخر ، فحمدت فيه ، ودخل العمال مكة فأحسنوا عليّ الثناء ، وأكثروا من المدح ، فلمّا قدمت مكة لقيت ابن أبي يحيى ، فسلّمت عليه فقال لي : تصنعون كذا ، وتفعلون كذا؟! فتركته ولقيت سفيان بن عيينة فسلّمت عليه ، فسلّم عليّ ، وقال لي : قد بلغنا خبر ولايتك وحسن ما انتشر عنك ، فاحمد الله وتمسك بالعلم يرفعك الله به ، وينفعك ، فكان كلام سفيان أبلغ فيّ مما كلمني به ابن أبي يحيى.
قال (١) : ثم وليت نجران ، وكان بها قوم من بني الحارث ، وموالي ثقيف ، فرفع إليّ الناس مظالم كثيرة ، فجمعتهم ، وقلت لهم : اختاروا لي سبعة منكم ، من عدّلوه كان عدلا مرضيا ، ومن جرّحوه كان مجروحا قصيا ، فاختاروا لي منهم سبعة ، فجلست وأجلست السبعة بالقرب منّي ، فكلمّا شهد عندي شاهد بعثت إلى السبعة ، فإن عدّلوه كان عدلا ، وإن جرّحوه كان مجروحا ، فلم أزل أفعل ذلك حتى أتيت على جميع من تظلّم إليّ ، فكنت أكتب وأسجّل قال : فنظروا إلى حكم جار ، فقالوا : أي شيء يعمل؟ إن هذه الأمور التي تحكم علينا فيها ليست لنا ، إنما هي في أيدينا لمنصور بن المهدي ، فكتبت في أسفل الكتاب : وأقرّ فلان بن فلان الذي وقع عليه الحكم في هذا الكتاب أنّ الذي حكمت به عليه ليس له إنّما هو لمنصور ابن مهدي في يديه ، ومنصور بن المهدي على حجته ما قام ، فلمّا نظروا إلى ذلك خرجوا إلى مكة ، ورفعوا ، ولم يزالوا يرفعون عليّ حتى حملت إلى العراق ، فقيل لي : الزم الباب ، فقلت : إلى من أجلس؟ إلى من أختلف؟ وكان محمّد بن الحسن جيّد المنزلة عند هارون ، فجالسته حتى عرفت قوله ، ووقعت منه موقعا ، فلما عرفت ذلك كان إذا قام هو ناظرت أصحابه ، واحتججت عليهم.
فقال (٢) لي ذات يوم : بلغني يا محمّد أنك تخالفنا في الغصب فقلت : إنّما هو من طريق المناظرة ، فقال لي : لقد بلغني غير هذا ، أفتناظرني؟ قلت : إنّي أجلّك عن المناظرة ، قال : لا ، فافعل ، فلمّا رأيت ذلك قلت له : هات ، قال : ما تقول في رجل اغتصب من رجل (٣) ساجة فبنى عليها بنيانا ، فأنفق عليه ألف دينار ، فجاء صاحب السّاجة فأتى بشاهدين
__________________
(١) الخبر في حلية الأولياء ٩ / ٧٦.
(٢) راجع حلية الأولياء ٩ / ٧٥.
(٣) في حلية الأولياء : غصب من رجل عمودا فبنى عليه قصرا.