عدلين أنها ساحته ، وأن هذا الرجل غصبه عليها ، قلت : أقول لصاحب السّاجة : ترضى بأن تأخذ القيمة؟ فإن رضي دفعت إليه قيمتها ، وإن أبى قلعت البنيان من السّاجة ودفعتها إليه ، قال : أفليس قد قال النّبي صلىاللهعليهوسلم : «لا ضرر ولا إضرار» [١٠٨٩١] قلت له : من أدخل عليه الضرار؟ إنّما هو أدخل الضّرر على نفسه ، قال : فما تقول في رجل اغتصب من رجل خيط إبريسم (١) فخاط به بطنه (٢) فجاء صاحب الخيط فأقام البيّنة بشاهدين عدلين أن هذا الخيط خيطه ، وأنه اغتصبه عليه؟ أكنت تنزع الخيط من بطن هذا فتدفعه إليه؟ فقلت : لا ، قال : الله أكبر ، تركت قولك ، ثم قال لي أصحابه : قد تركت قولك ، فقلت لهم : لا تعجلوا ، قال : فما تقول في رجل اغتصب من رجل لوحا فأدخله في سفينة ثم لجّج (٣) البحر ، فأقام صاحب اللوح البيّنة بشاهدين عدلين أن هذا اللوح لوحه ، وأنه غصبه إياه ، أكنت تنزع اللوح من السفينة وتدفعه إلى الرجل المحق؟ قلت : لا ، قال : الله أكبر ، تركت قولك ، وقال أصحابه : تركت قولك ، فقلت لهم : مهلا ، لا تعجلوا ، ثم قلت له : ما تقول أنت لو كانت السّاجة ساجته لم يغصب عليها أحدا ، فأراد أن يهدم البنيان الذي قد نفق عليه ألف دينار كان ذلك له مباحا؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه ثم أراد أن ينزعه أكان له نزع ذلك؟ قال : لا ، قلت له : رحمك الله ، فلم تقيس على مباح محرما قال : فكيف تصنع بصاحب اللوح؟ قلت : آمره أن يقرب إلى أقرب المراسي إليه مرسى لا يكون عليه وعلى أصحابه فيه هلكة ، ثم أنزع اللوح فأدفعه إلى صاحبه وأقول لصاحب السفينة أصلح سفينتك (٤) ، ثم قلت له : ولكن ما تقول أنت في رجل اغتصب رجلا من الزّنج جارية ، فأولدها أولادا كلّهم قد قرأ القرآن ، وخطب على الناس ، وقضى بين المسلمين ، ثم جاء صاحب الجارية ، فأقام البيّنة بشاهدين عدلين أن هذه الجارية جاريته ، وأنه غصبه عليها وأولدها هؤلاء الأولاد كلهم ، بم كنت تحكم في ذلك كلّه؟ قال : كنت أجعلهم رقيقا له ، وأردّ الجارية عليه ، قلت له : أنشدك الله أيّما أعظم ضررا أن تجعل أولاده هؤلاء رقيقا أم تنزع البنيان من السّاجة؟ قال : فبقي ، ولم يردّ عليّ جوابا ، ثم إنه بعد ذلك عرف حقي وموضعي ، وقال بفضلي.
أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ، عن أبي عبد الله محمّد بن سلامة ، أنبأنا
__________________
(١) الإبريسم : الحرير.
(٢) في حلية الأولياء : فخاط به خرجه.
(٣) لجج البحر : أي ركب اللّجة ، واللّجة معظم الماء حيث لا يدرك قعر البحر.
(٤) العبارة في حلية الأولياء : فيخير بين القيمة وبين الخشبة ، فإن أخذ قيمتها وإلّا نقض السفينة ورد الخشبة إلى صاحبها.