محمّد بن أحمد بن محمّد بن عمرو ، حدّثنا الحسن بن إسماعيل بن محمّد المالكي ، حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الرقّي (١) ـ يعرف بابن المولّد ـ حدّثنا أبو المجاهد عبد الواحد بن محمّد الملطي ، حدّثنا أبو زكريا يحيى بن زكريا النيسابوري ، حدّثنا الربيع قال : وحدّثنا زكريا ابن يحيى السّاجي ، حدّثنا الربيع وبعضهم يزيد على بعض في الحكاية قال : سمعت الشّافعي يقول : كنت أنا في الكتّاب أسمع المعلّم (٢) يلقن الصبي الآية فأحفظها أنا ، ولقد كنت (٣) [ـ و](٤) يكتبون الصبيان أئمتهم فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء عليهم ـ قد حفظت جميع ما أملى ، فقال لي ذات يوم : ما يحلّ لي أن آخذ منك شيئا ، قال : ثم لمّا خرجت من الكتّاب كنت ألتقط الخزف (٥) والدّفوف (٦) ، وكرب (٧) النخل ، وأكتاف الجمال ، وأكتب فيها الأحاديث ، وأجيء إلى الدواوين فاستوهب منها الظهور (٨) وأكتب فيها حتى كان لأمي حباب (٩) فملأتها أكتافا وخزفا ، ثم إنّي خرجت من مكة فلزمت هذيلا في البادية أتعلم كلامها وآخذ طبعها ، وكانت أفصح العرب ، فبقيت فيهم سبع عشرة سنة أرتحل برحلتهم (١٠) وأنزل بنزولهم ، فلمّا أن رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار ، وأذكر الآداب والأخبار وأيام العرب ، فمرّ بي رجل من بني عثمان (١١) من الزبيريين فقال : يا أبا عبد الله عزّ عليّ أن لا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه ، فتكون قد سدت أهل زمانك ، قال : فقلت : ومن بقي يقصد إليه؟ فقال لي : هذا مالك بن أنس سيّد المسلمين يومئذ ، قال : فوقع في قلبي ، فعمدت إلى الموطّأ فاستعرته من رجل بمكة ، فحفظته في تسع ليال ظاهرا ، ثم دخلت إلى والي مكة ، فأخذت كتابه إلى والي المدينة ، وإلى مالك بن أنس ، قال : فقدمت المدينة وأبلغت الكتاب إلى الوالي ، فلمّا أن قرأه قال : والله يا فتى إنّ مشي من جوف المدينة إلى
__________________
(١) من طريقه رواه ياقوت الحموي في معجم البلدان ١٧ / ٢٨٤ وما بعدها.
(٢) تقرأ بالأصل : العلم ، والمثبت عن م وت ود ، ومعجم الأدباء.
(٣) بالأصل ، وم ود ، وت : كان ، والمثبت عن معجم الأدباء.
(٤) زيادة لازمة للإيضاح عن معجم الأدباء.
(٥) الخزف : الآجر ، وكل ما عمل من طين وشوي حتى يكون فخارا.
(٦) الدفوف واحدها دف ، وهي الجلود التي يعمل منها الطبل والضمامات.
(٧) كرب النخل : الواحدة كربة ، وهي أصول السعف الغلاظ العراض التي تقطع معها.
(٨) الظهور : الأوراق.
(٩) حباب : جمع حب ، وهي الجرار.
(١٠) في معجم الأدباء : أرحل برحيلهم.
(١١) كذا بالأصل وم وت ود ، وفي معجم الأدباء : رجل من الزبيريين من بني عمي.