سلام على من لم يطق عند بينه |
|
سلاما فأومى بالبنان المخضّب |
فحفظتهما وتغنّيت بهما ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، ثم قال : أتدري ما قصتي؟ قلت : أمير المؤمنين أعلم ، قال : إنّي دخلت إلى بعض المقاصير فرأيت جارية لي كنت أحبّها حبا شديدا وهي بالموت ، فسلّمت عليها ، فلم تطق ردّ السلام ، فأومت باصبعها ، فغلبتني العبرة ، فخرجت من عندها ، وحضرني أن قلت لك هذين البيتين.
فقلت : يطيل الله تعالى عمر أمير المؤمنين ، ولا يفجعه بأحبته ، ويبقي له من يحب بقاءه ، فما هو شيء يفتدى ، وأمير المؤمنين يفديه جميع عبيده.
أخبرنا أبو المعالي الحسين بن حمزة بن الشعيري ، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرني أحمد بن علي بن الحسين الثوري ، نا عبيد الله بن محمّد بن أحمد المقرئ ، أنا جعفر بن القاسم ، نا أحمد بن محمّد الطوسي ، حدّثني أبي قال :
سمعت مخارقا المغني قال : طفّلت تطفيلة قامت على أمير المؤمنين المعتصم بمائة ألف درهم ، فقيل له : كيف ذاك؟ قال : سهرت مع المعتصم ليلة إلى الصبح ، فلمّا أصبحنا قلت له : يا سيدي إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي فأخرج فأتنسم في الرّصافة إلى وقت يشاء أمير المؤمنين ، فأمر البوابين فتركوني.
قال : فجعلت أمشي في الرّصافة ، فبينا أنا أمشي إذ نظرت إلى جارية كأن الشمس تطلع من وجهها فتبعتها ومعها زبيل مشارب ، فوقفت على صاحب فاكهة ، فاشترت منه سفر جلة بدرهم ورمانة بدرهم وكمثراة بدرهم ، وتبعتها فالتفتت فرأتني خلفها أتبعها ، فقالت لي : يا بن الفاعلة ، لا تكني إلى أين؟ قلت : خلفك يا سيدتي ، فقالت لي : ارجع يا ابن الفاعلة ، لا يراك أحد فتقتل ، قال : ثم التفتت بعد فنظرت إليّ قال : فشتمتني ضعف ما شتمتني في المرة الأولى ، ثم جاءت إلى باب كبير فدخلت فيه.
وجلست بحذاء الباب ، فذهب عقلي ، ونزلت الشمس وكان يوما حارا ، فلم ألبث أن جاء فتيان كأنهما صورتان على حمارين مصريين ، فأذن لهما فدخلا ودخلت معهما ، فظنّ صاحب المنزل أنّي جئت مع صديقيه ، وظنّ صديقاه أنّ صاحب المنزل قد دعاني ، وجيء بالطعام وأكلوا وغسلوا أيديهم ، ثم قال لهم صاحب المنزل : هل لكم في فلانة؟ قالوا : إن تفضّلت ، فخرجت تلك الجارية بعينها وقدامها وصيفة تحمل عودا لها ، فوضعته في حجرها ، فغنّت فطربوا وشربوا ، وقالوا : لمن هذا يا ستنا؟ قالت : لسيدي مخارق ، ثم غنّت صوتا آخر