تتابعت على قريش سنون جدب ، أقحلت (١) الظلف ، وأرقّت العظم ، قالت : فبينا أنا راقدة ـ اللهم ـ أو مهمومة ومعي صنوي أصغر مني معنا بهمات لنا وربى ، وعندي برذون علي من الشغف ، إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل (٢) يقول : يا معشر قريش ، إن هذا النبي المبعوث منكم ، وهذا أوان نجومه فحيّ هلا بالحيا والخصب ، ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما أبيض نضوا أشم العرنين ، له فخر يكضم عليه وسنة تهدى إليه ، ألا فليخلص وولده وليد لف إليه من كلّ بطن رجل ، ألا فليستنوا من الماء ، وليمسوا من الطيب ، وليستلموا الركن ، وليطوفوا بالبيت سبعا ، ألا وفيهم الطيّب الطاهر لذاته ، ألا فليستسق (٣) الرجل وليؤمن القوم ، ألا فغثتم إذا أبدا ما شئتم وعشتم.
قال : فأصبحت ـ علم الله ـ مقربة مذعورة ، قد قف جلدي ووله عقلي ، فاقتصصت رؤياي فنمت في شعاب مكة في الحرمة والحرم ، إن بقي بها أبطحي إلّا قال : هذا شيبة الحمد ، هذا شيبة ، وتناهت عنده قريش ، وانقض إليه من كلّ بطن رجل فسنّوا ومشوا ، واستلموا ، وأطرقوا ثم ارتقوا أبا قبيس ، وطفق القوم يدقون حوله ما أن يدرك سعيهم مهله ، حتى فروا (٤) لذروته ، واستكعوا (٥) .... (٦) فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمّدا صلىاللهعليهوسلم فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلام قد كرب ثم قال : اللهم سادّ الخلّة ، وكاشف الكربة ، أنت عالم غير معلّم ، مسئول غير مبخّل ، وهذه عبداؤك وإماؤك بغدران (٧) حرمك يشكون إليك سننهم التي أقحلت الظلف والخفّ فاسمعنّ [اللهم](٨) وأمطر علينا غيثا مريعا مغدقا ، فما راموا والبيت حتى انفرجت السماء بمائها ، وكظ الوادي بثجيجه فتسمعت شيخان قريش وهي تقول لعبد المطلب : هنيئا لك يا أبا البطحاء ، هنيئا أي بك عاش أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة :
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا |
|
وقد فقدنا الحيا واجلوّذ (٩) المطر |
__________________
(١) بالأصل وم ود ، و «ز» : أقلحت الظلف ، والمثبت عن المختصر.
(٢) صحل : فيه بحة (القاموس).
(٣) بالأصل ود وم : «فليستقي» تصحيف ، والمثبت عن «ز».
(٤) في «ز» : قرءوا ، وفوقها ضبة ، وفي م : قروا.
(٥) كذا بالأصل ود ، وفي م «ز» : واستنكصوا.
(٦) رسمها بالأصل ود وم و «ز» : «ح؟؟؟ ا؟؟؟ ه» وفوقها في «ز» ضبة.
(٧) بالأصل : يبدران ، والمثبت عن م و «ز» ، ود.
(٨) الزيادة عن م ، و «ز» ، ود.
(٩) بالأصل وم ود ، و «ز» : «واجلولذ» والمثبت عن ابن سعد والمختصر.