حكى عنه : ابنه أبو حفص.
ذكر أبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني قال أبو عبد الله القفاف : حدّثني أبو حفص بن مخلد أن أباه مخلد مرض فكنّا ربما صنعنا له الشيء مثل سميد (١) أو شيء يعلله به ، فيضعه بين يديه فيقول : ارفعوه ، ما أطعمها هذا ولا كرامة.
قال : وحدّثني أحمد الهلالي قال : كان مخلد يدق الخروب ، ويعصده (٢) في القدر مع شيء من طحين ، وكان مخلد رحمه (٣) الله لا ينحي عنه دابته ، ولا يغسل أطماره ، وكان أكثر ما يوصي به الوحدة ، وكان قد يبس جلده على عظمه من قلّة أكله ، ومما يجوّع نفسه ، ويمنعها من الشهوات ، قال : يخرج العنب فلا يذيقها منه شيء قلت له : أيش حاله يبصر مع هذا؟ قال : أما بصره قد ضعف من شدة الجوع ، فقلت : فكيف هو في سهر الليل؟ قال : لا تسأل من كثرة سهره ، قلت : فكان يكثر الجلوس في المسجد؟ قال : كان (٤) ما يخرج إلّا يوم الجمعة وسائر الأيام يصلي في البيت الصلوات الخمس.
قال أبو أحمد : حدّثني عثمان بن سعيد الأسدي أنه سمع أبا بكر الهلالي يقول :
كان مخلد من أهل شهبة ، وله أهل وولد ، وكان يعتد لأهله قوتا مخافة مجاعة في حوران وعدم الناس القوت ، فباع الشعير الذي كان استعده لأهله فقالت له زوجته : أهلكت صبياننا ، تبيع القوت في مثل هذا الوقت ، فقال لها : نعم ، حتى يذوقوا مثل ما يذوق الناس ويتضوعوا (٥) كما يتضوع الناس ، ولا يطمئنوا إلى ما عندك.
وقرأت في كتاب أبي عبد الله بخط يده قال : حدّثني أبو حفص قال :
ما رأيت أشد تواضعا من مخلد ، إذا جلس إليه إنسان ، ما رأيت مثل ما يعمل في إسقاط جاهه من نفسه.
__________________
(١) كذا بالأصول : سميد ، بالدال ، وبالذال أفصح وأشهر ، قاله في تاج العروس. وهو : الحواري ، وقيل هو الطعام.
(٢) عصد العصيدة أي يديرها ويقلبها بالمعصدة (تاج العروس : عصد).
(٣) في «ز» : رحمة الله عليه.
(٤) في م : «كان في بلدنا منسيا يخرج ...» والجملة مضطربة في «ز» ، ود. وقد سقطت الجملة من الأصل.
(٥) بالأصل وم ود : «يتضرعوا كما يتضرع الناس» والمثبت عن «ز». والتضوع : تضور الصبي في البكاء في شدة ورفع صوت (تاج العروس : ضوع).