يسمون السد الآتي وصفه فيما أحدثته هذه النار بالحبس. وفي كلام ياقوت ما يقتضي أنه كان يسمى بالسد قبل هذه النار ؛ فإنه لم يدركها ، ومع ذلك قال : إن أعلى وادي قناة عند السد يسمى بالشظاة ، اه.
وظهور النار المذكورة بالمدينة الشريفة قد اشتهر اشتهارا بلغ حد التواتر عند أهل الأخبار ، وكان ظهورها لإنذار العباد بما حدث بعدها ؛ فلهذا ظهرت على قرب مرحلة من بلد النذير صلوات الله وسلامه عليه ، وتقدمها زلازل مهولة ، وقد قال تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء : ٥٩] وقال تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [الإسراء : ١٦] ولما ظهرت النار العظيمة الآتي وصفها ، وأشفق منها أهل المدينة غاية الإشفاق ، والتجئوا إلى نبيهم المبعوث بالرحمة ، صرفت عنهم ذات الشمال ، وزاحت عنهم الأوجال ، وظهرت بركة تربته صلىاللهعليهوسلم في أمته ، ولعل الحكمة في تخصيصها بهذا المحل ـ مع ما قدمناه من كونه حضرة النذير ـ الرحمة لهذه الأمة فإنها لو ظهرت بغيره وسلطان القهر والعظمة التي هي من آثاره قائم لربما استولت على ذلك القطر ولم تجد صارفا ؛ فيعظم ضررها على الأمة ، فظهرت بهذا المحل الشريف لحكمة الإنذار ، فإذا تمت قابلتها الرحمة فجعلتها بردا وسلاما ، إلى غير ذلك من الأسرار.
ابتداء الزلزلة التي حدثت بالمدينة
وكان ابتداء الزلزلة بالمدينة الشريفة مستهلّ جمادى الآخرة أو آخر جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وستمائة ، لكنها كانت خفيفة لم يدركها بعضهم مع تكررها بعد ذلك ، واشتدت في يوم الثلاثاء على ما حكاه القطب القسطلاني ، وظهرت ظهورا عظيما اشترك في إدراكه العام والخاص ، ثم لما كان ليلة الأربعاء ثالث الشهر أو رابعه في الثلث الأخير من الليل حدث بالمدينة زلزلة عظيمة أشفق الناس منها ، وانزعجت القلوب لهيبتها ، واستمرت تزلزل بقية الليل ، واستمرت إلى يوم الجمعة ولها دوي أعظم من الرعد ، فتموج الأرض ، وتتحرك الجدارات ، حتى وقع في يوم واحد دون ليله ثمانية عشر حركة على ما حكاه القسطلاني.
وقال القرطبي : قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة ، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت ، وظهرت بقريظة بطرف الحرة ، ترى في صفة البلد العظيم ، عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج وموادن ، وترى رجال يقودونها ، لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته ، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوي كدوي الرعد ، يأخذ الصخور بين يديه ، وينتهي إلى محط الركب العراقي ، واجتمع من