بين ذلك الشجر ، فيمتلئ مما يتساقط فيه من الثمر ، فطغوا ، وقيل : بعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيّا يدعونهم إلى الله ، ويذكرونهم نعمة الله عليهم ، فكذبوهم ، وقالوا : ما نعرف لله نعمة ، قال المسعودي : وكان طول بلدهم أكثر من شهرين للراكب المجد ، وكذلك عرضها ، وكان أهلها في غاية الكثرة مع اجتماع الكلمة والقوة ، وكانوا كما قص الله من خبرهم بقوله : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) يعني : قرى الشام (قُرىً ظاهِرَةً) [سبأ : ١٨] يعني متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها ، فكانوا آمنين في بلادهم ، تخرج المرأة لا تتزود شيئا ، تبيت في قرية ، وتقيل في أخرى حتى تأتي الشام ، فقالوا : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سبأ : ١٩] لأنهم بطروا النعمة وملوها ، وقالوا : لو كان جني جناتنا أبعد كان أجدر أن نشتهيه ، وتمنوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد ، فجعل الله لهم الإجابة كما قال : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ : ١٩] وعن الضحاك أنهم كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، فسلط عليهم سيل العرم ، قيل : العرم : المطر الشديد ، وقيل : جرذ أعمى فنقب عليهم السد ، وكان فرسخا في فرسخ بناه لقمان الأكبر العادي ، وكان بناه للدهر على زعمه ، وكان يجتمع إليه مياه اليمن ثم تتفرق في مجاري على قدر حاجة جنانهم ، وقيل : بناه سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وساق إليه سبعين واديا ، ومات قبل أن يكمله فأكمله بعده ملوك حمير ، وكان أولاد حمير بن سبأ وأولاد كهلان بن سبأ سادة اليمن في ذلك الزمان ، وكان كبيرهم وسيدهم جد الأنصار عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ، ويقال : الأسد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ذكر نسبه كذلك ابن هشام وابن حزم وابن الكلبي فيما نقله عنه ابن عبد البر ، ونقل غيره عنه أنه جعل ثعلبة بين حارثة وبين امرئ القيس ، وكانت الأنصار تقول : سمى عمرو مزيقياء لأنه كان يلبس في كل يوم حلتين ثم يمزقهما لئلا يلبسهما أحد بعده ، وقيل لأبيه «ماء السماء» لجوده وقيامه عند الجدب مقام الغيث ، وكان لعمرو مزيقياء أخ كاهن لم يعقب يسمى عمران ، وكانت زوجة عمرو مزيقياء يقال لها طريفة من حمير ، وكانت كاهنة ، فولدت له ثلاثة عشر رجلا ، ولدت ثعلبة وهو الذي أخرج جرهم من مكة هو وأخواته ، ومن انخرع معه من الأزد على ما نقله رزين ، ونقل أن والد ثعلبة ـ وهو عمرو بن عامر ـ توفي قبل