وقال ياقوت : إن عمرو بن عامر مات قبل سيل العرم ، وصارت الرئاسة إلى أخيه عمران بن عامر الكاهن ، وكان عاقرا لا يولد له ، وإنه صاحب القصة مع طريفة الكاهنة ، وإنها أقبلت عليه يوما وقالت : والظلمة والضياء ، والأرض والسماء ، ليقبلن إليكم الماء ، كالبحر إذا طما ، فيدع أرضكم فلا يسفى عليها الصبا ، وذكر القصة ، وأنه احتال لبيع أمواله بأن قال لحارثة أحد أولاد أخيه عمرو بن عامر إذا اجتمع الناس إليّ فإني سآمرك بأمر فأظهر فيه العصيان فإذا ضربت رأسك بالعصا فقم إليّ والطمني ، فقال : وكيف يلطم الرجل عمه؟ فقال : افعل يا بني فإن في ذلك صلاحك وصلاح قومك ، وذكر القصة ، قال : فجاء بعد رحيلهم بمديدة السيل وقد خرب الجرذ السد فلم يجد مانعا ، فغرق البلاد حتى لم يبق من جميع الأرضين والكروم إلا ما كان في رءوس الجبال والأمكنة البعيدة مثل ذمار (١) وحضرموت وعدن ، وذهبت الضياع والحدائق والجنان ، وجاء السيل بالرمل وطمّها ، فمضى على ذلك إلى اليوم ، وباعد الله بين أسفارهم كما سألوا.
عمرو بن عامر يصف البلاد لقومه
ونقل رزين أن عمرو بن عامر الكاهن قال لهم عند خروجهم : سأصف لكم البلاد ، فقال : من كان منكم ذا همّ بعيد ، وجمل شديد ، ومراد حديد ، فليلحق بقصر عمان المشيد ؛ فسكنها أزدعمان. قال : ومن كان منكم ذا هم غير بعيد ، وجمل غير شديد ، ومراد غير حديد ؛ فليلحق بالشعب من كرود ـ وهي من أرض همدان ـ فكان الذين سكنوه وداعة بن عمرو بن عامر فانتسبوا في همدان. قال : ومن كان منكم ذا هم مدن ، وجمل معن ، فليلحق بالثنى من شن ، وهو بالسراة ، فسكنه أزدشنوءة. قال : ومن كان منكم ذا جلد وبصر ، وله صبر على أزمات الدهر ، فليلحق ببطن مر ، فسكنته خزاعة. قال : ومن كان منكم يريد الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ، فليلحق بالحرة ذات النخل ؛ فكان الذين سكنوها الأوس والخزرج. قال : ومن كان يريد الخمر والخمير ، والديباج والحرير ، والأمر والتأمير ، فليلحق ببصرى وسدير ـ وهما من أرض الشام ـ فكان الذين سكنوه آل جفنة بن غسان. قال : ومن كان يريد الثياب الرقاق ، والخيول العتاق ، والكنوز من الأرزاق ، فليلحق بالعراق ؛ فكان الذين لحقوا بالعراق جذيمة الأبرش ومن كان بالحيرة من غسان.
قلت : وقيل : إن الذي سجع لهم بذلك طريفة الكاهنة ، وإنها قالت : ومن كان منكم يريد الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ، فليلحق بيثرب ذات النخل.
__________________
(١) ذمار : قرية بالقرب من صنعاء.