الأنصار بالنبل ، فلقد جاء الإسلام والنبل فيها ، وجزع في القتال فرس تبع فحلف لا يبرح حتى يخربها بزعمه ، فسمع بذلك أحبار من اليهود فنزلوا إليه وقالوا : أيها الملك إن هذه البلدة محفوظة ، فإنا نجد اسمها في الكتاب طيبة ، وإنها مهاجر نبي من بني إسماعيل من الحرم ، وهي تكون قراره فلن تسلط عليها ، فأعجب تبع بقولهم ، فصرف تبع نبته عنها ، وأمر أهل المدينة فتبايعوا مع العسكر ، وكان تبع قد استوبأ بئره (١) التي حفر ، فمرض ، فجاءته امرأة من بني زريق اسمها فاكهة براوية (٢) من بئر رومة فأعجبه فاستلذه ، فلما كان رحيله قال لها : يا فاكهة ما نترك في موضعنا من شيء إذا رحلنا فهو لك ، فأخذت ذلك ، فاستغنت منه ، وخرج تبع يريد اليمن ومعه من الأحبار الذين نهوه عن خراب المدينة رجلان أو ثلاثة ، فقال لهم : تسيرون معي أياما آنس بحديثكم ، فكانوا يحدثونه عن الكتاب وعن قصة النبي صلىاللهعليهوسلم فلم يتركهم حتى وصلوا معه إلى اليمن ؛ فهم كانوا أول يهودي دخل اليمن ، واتفق في مسيرة قصة إكسائه الكعبة.
وقد قدمنا في بعض الروايات أن مالك بن العجلان لما قتل ملك اليهود قصد اليمن إلى تبع الأصغر ، وأنه الذي نصرهم على يهود ، ولعل هذا مراد ياقوت لقوله «إن يهود كانوا أهل المدينة حتى أتاهم تبع فأنزل معهم بني عمرو بن عوف» لكن نقل المجد وغيره عن المبتدأ لابن إسحاق أنه قال في بيت أبي أيوب الذي نزله النبي صلىاللهعليهوسلم مقدمه المدينة : إن تبعا الأول بناه لما مر بالمدينة ، قال في المبتدأ : واسمه تبان أسعد بن كلكيكرب ، وكان معه أربعمائة عالم ، فتعاقدوا على أن لا يخرجوا منها ، فسألهم تبع عن سر ذلك ، فقالوا : إنا نجد في كتبنا أن نبيا اسمه محمد هذه دار مهاجره ؛ فنحن نقيم لعل أن نلقاه ، فأراد تبع الإقامة معهم ، ثم بنى لكل واحد من أولئك دارا واشترى له جارية وزوجها منه وأعطاه مالا جزيلا ، وكتب كتابا فيه إسلامه ، ومنه :
شهدت على أحمد أنه |
|
رسول من الله باري النّسم (٣) |
فلو مدّ عمري إلى عمره |
|
لكنت وزيرا له وابن عم |
وختمه بالذهب ودفعه إلى كبيرهم ، وسأله أن يدفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم إن أدركه ، وإلا فمن أدركه من ولده أو ولد ولده ، وبنى للنبي صلىاللهعليهوسلم دارا لينزلها إذا قدم المدينة ، فتداول
__________________
(١) استوبأ البئر : استوخمها. و ـ وجدها وبيئة.
(٢) الراوية : المزادة فيها الماء. (ج) روايا.
(٣) النسم : الخلق والناس.