لهم تفرقوا في عالية المدينة وسافلتها ، واتخذوا الأموال والآطام ، فنزل بنو عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر وبنو حارثة بن الحارث بن الخزرج الأصغر بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة فكلاهما من الأوس دار بني عبد الأشهل قبلي دار بني ظفر مع طرف الحرة الشرقية ، قاله المطري ، والذي يظهر لي أن منازلهم كانت قريبة من منازل بني ظفر في شاميها وتمتد إلى الحرة المعروفة اليوم بدشم وما حولها ، بل سيأتي في ترجمة الخندق ما يقتضي أن منازلهم كانت بالقرب من الشيخين. وابتنى بنو عبد الأشهل أطما يقال له «واقم» وبه سميت الناحية واقما ، وكان لحضير بن سماك ، وله يقول شاعرهم :
نحن بنينا واقما بالحره |
|
بلازب الطين وبالأصره |
وله يقول خفاف بن ندبة :
لو أنّ المنايا جزن عن ذي مهابة |
|
لهبن حضيرا يوم أغلق واقما (١) |
يطيف به حتى إذا الليل جنّه |
|
تبوّأ منه مضجعا متناغما |
وأطما يقال له : «الرعل» بالمال الذي يقال له واسط لصخرة أم بني عبد الأشهل ، وله يقول شاعرهم يوم بعاث :
نحن بنو صخرة أرباب الرعل
وآطاما غير ذلك ، وابتنى بنو حارثة أطما اسمه «المسيّر» صار لبني عبد الأشهل بعد خروج بني حارثة من دارهم ؛ فإن بني حارثة تحولوا من دارهم هذه إلى غربي مشهد سيدنا حمزة رضياللهعنه في الموضع المعروف اليوم بيثرب ؛ فكانت بها منازلهم على ما قدمناه عن المطري في الباب الأول. والذي تحرر لي من مجموع كلام الواقدي وابن زبالة وغيرهما أن منازلهم التي استقروا بها وجاء الإسلام وهم فيها كانت في شامي بني عبد الأشهل بالحرة الشرقية. ويؤيد ذلك ما سيأتي في ترجمة الخندق من أن النبي صلىاللهعليهوسلم خطه من أجمة الشيخين طرف بني حارثة كما رواه الطبراني.
وقد قال المطري كما سيأتي عنه : الشيخان : موضع بين المدينة وبين جبل أحد ، على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جبل أحد. ويؤيده أيضا أن المطري قد ذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم غدا إلى أحد يوم وقعته على الطريق الشرقية المذكورة ، وسيأتي أنه بات بالشيخين.
__________________
(١) جزن تجاوزن. ذو المهابة : ذو الهيبة. هاب. خاف.