خرب في طرف المدينة ، وأرسلا رجلا يؤذن لهما الأنصار ، فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار ، حتى انتهوا إليهما ، قال : فما رأيت مثل ذلك اليوم قط ، والله لقد أضاء منها كل شيء ، ونزلا على كلثوم بن الهدم ، ثم ذكر تأسيس مسجد قباء ، ثم قال : ثم خرج منها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد المدينة ، فلا يمر بدار من دور الأنصار إلا عرضوا عليه ، وذكر نحو ما سيأتي ؛ فهو صريح في أن ذلك كان عند مقدمه صلىاللهعليهوسلم في بدء الأمر.
وكان خروجه صلىاللهعليهوسلم من قباء يوم الجمعة ، وتعيينه من الشهر مرتب على ما تقدم في قدومها.
وروى يحيى أنه صلىاللهعليهوسلم لما شخص : أي : من قباء ، اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا : يا رسول الله أخرجت ملالا أم تريد دارا خيرا من دارنا؟ قال : إني أمرت بقرية تأكل القرى ، فخلوها ـ أي ناقته ـ فإنها مأمورة فخرج صلىاللهعليهوسلم من قباء ، فعرض له قبائل الأنصار كلهم يدعوه ويعدوه النصرة والمنعة ، فيقول : خلوها فإنها مأمورة ، حتى أدركته الجمعة في بني سالم ، فصلى في بطن الوادي الجمعة وادي ذي صلب.
قلت : قيل كانت هذه أول جمعة صلاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وقيل : إنه كان يصلي الجمعة في مسجد قباء في إقامته هناك ، والله أعلم.
وروى أيضا عن عمارة بن خزيمة قال : لما كان يوم الجمعة وارتفع النهار دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم براحلته ، وحشد المسلمون ، ولبسوا السلاح ، وركب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ناقته القصوى ، والناس معه عن يمينه وعن شماله وخلفه : منهم الماشي والراكب ، فاعترضنا الأنصار فما بدار من دورهم إلا قالوا هلم يا رسول الله إلى العز والمنعة والثروة ، فيقول لهم خيرا ، ويدعو ، ويقول : إنها مأمورة ، خلوا سبيلها ، فمر ببني سالم ، فقام إليه عتبان بن مالك ، ونوفل بن عبد الله بن مالك بن العجلان وهو آخذ بزمام راحلته يقول : يا رسول الله انزل فينا فإن فينا العدد والعدة والحلقة ، ونحن أصحاب العصا والحدائق والدرك ، يا رسول الله قد كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفا فيلجأ إلينا فنقول له : قوقل حيث شئت ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتبسم ويقول : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فقام إليه عبادة بن الصامت وعباس بن الصامت بن نضلة بن العجلان فجعلا يقولان : يا رسول الله انزل فينا ، فيقول النبي صلىاللهعليهوسلم : بارك الله عليكم ، إنها مأمورة ، فلما أتى مسجد بني سالم ـ وهو المسجد الذي في الوادي ـ فجمّع بهم فخطبهم ، ثم أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن يمين الطريق حتى جاء بني الحبلى ، فأراد أن ينزل على عبد الله بن أبي ، فلما رآه ابن أبي وهو