ووقف عليها أوقافا بميّافارقين التي هي دار ملكه ، وبدمشق لها وقف آخر أيضا ، ولها بالمدينة الشريفة أيضا وقف من النخيل وغيرها ، غير أنه شمل ذلك ما عم الأوقاف ، وكان بها كتب كثيرة نفيسة فتفرقت أيدي سبا ، وآل حال هذه المدرسة إلى التعطيل ، فسكنها بعض نظارها ، فتشاءمت على عياله ، واتصل ذلك بسلطان مصر فخرج منها ، والمدرسة قاعتان : كبرى ، وصغرى ، وفي إيوان الصغرى الغربي خزانة صغيرة جدا ، فما يلي القبلة فيها محراب.
قال المطري : يقال إنها مبرك ناقة النبي صلىاللهعليهوسلم.
وكانت إقامته صلىاللهعليهوسلم بهذه الدار كما أفاده ابن سعد سبعة أشهر : أي : بتقديم السين على الباء ، حتى بنى مساكنه. وقال رزين : أقام عند أبي أيوب من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الثانية ، وقال الدولابي : شهرا ، وفي كتاب يحيى عن زيد بن ثابت : لما نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أبي أيوب لم يدخل منزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم هدية أول من هدية دخلت بها عليه قصعة مثرودة خبز بر وسمنا ولبنا فأضعها بين يديه ، فقلت : يا رسول الله أرسلت بهذه القصعة أمي ، فقال : بارك الله فيها ، ودعا أصحابه فأكلوا ، فلم أرم الباب (١) حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة على رأس غلام مغطاة ، فأقف على باب أبي أيوب فأكشف غطاءها لأنظر ، فرأيت ثريدا عليه عراق ، فدخل بها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال زيد : فقد كنا في بني مالك بن النجار ما من ليلة إلا على باب رسول الله صلىاللهعليهوسلم منا الثلاثة والأربعة يحملون الطعام ويتناوبون بينهم ، حتى تحول رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بيت أبي أيوب ، وكان مقامه فيه سبعة أشهر ، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة.
وفيه أنه قيل لأم أبي أيوب : أيّ الطعام كان أحب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ قالت : ما رأيته أمر بطعام فصنع له بعينه ، ولا رأيناه أتى بطعام قط فعابه.
وقد أخبرني أبو أيوب أنه تعشى عنده ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة طفيشل (٢) فقال أبو أيوب : فرأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينهل تلك القدر ما لم أره ينهل غيرها ، فكنا نعملها له ، وكنا نعمل له الهريس وكانت تعجبه ، وكان يحضر عشاءه خمسة إلى ستة عشر كما يكون الطعام في الكثرة والقلة.
__________________
(١) لم أرم الباب : لازمته.
(٢) طفيشل : نوع من الأدم.