وفيه عن أبي أيوب أنهم تكلفوا له طعاما فيه بعض هذه البقول ، فلما أتوه به كرهه وقال لأصحابه : كلوا فإني لست كأحدكم ، إني أخاف أن أوذي صاحبي (١).
وفي كتاب رزين عنه بعد ذكر نزوله عليه قال : وما مرت ليلة من نحو السنة إلا وتأتيه جفنة سعد بن معاذ ثم سائر الناس ، يتناوبون ذلك نوبا ، قال أبو أيوب : فصنعت له ليلة طعاما ، وجعلت فيه ثوما ، فلم يأكل منه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ففزعت فنزلت إليه فقلت له : أحرام هو؟ فقال : إني أناجي ، وأنا أكرهه لذلك ، وأما أنتم فكلوه ، قال : فقلت : فإني أكره ما تكره يا رسول الله.
المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين
قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود (٢) ، وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم ، واشترط لهم ، وآخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال فيما بلغنا : تاخوا في الله أخوين أخوين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي.
قلت : كانت هذه المؤاخاة بعد مقدمه صلىاللهعليهوسلم بخمسة أشهر ، وقيل : ثمانية ، وهو يا بني المسجد ، وقيل : بعده ، وقيل : قبله ، وذكره أبو حاتم في السنة الأولى ، والظاهر أن ابتداءها كان فيها ، واستمرت على حسب من يدخل في الإسلام أو يحضر ، كما يعلم من تفاصيلها ، قيل : وكانوا تسعين رجلا من كل طائفة خمسة وأربعون ، وقيل : مائة ، آخى بينهم على الحق والمواساة والتوارث ، وكانوا كذلك إلى أن نزل بعد بدر (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) [الأنفال : ٧٥] الآية.
وقال الواقدي : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة آخى بين المهاجرين ، وآخى بين المهاجرين والأنصار.
وقال ابن عبد البر : كانت المؤاخاة مرتين : الأولى قبل الهجرة بمكة بين المهاجرين ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وهكذا حتى بقي علي رضياللهعنه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : فأنت أخي في الدنيا والآخرة ، والمواخاة الثانية ما تقدم من مواخاة المهاجرين والأنصار ، وهي المرادة بقول الحسن : كان التوارث بالحلف ؛ فنسخ بآية المواريث.
__________________
(١) البقول : المراد بها البصل والثوم والكراث.
(٢) وادع فلان : صالحه وسالمه وهادنه.