قلت : قد تقدم أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان قد وادع اليهود ، وكانوا يرجعون إلى ثلاث طوائف : بني قينقاع ، والنضير ، وقريظة ، فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة ، فأول من نقض منهم بنو قينقاع فحاربهم النبي صلىاللهعليهوسلم بعد بدر في شوال ، فألقى الله الرعب في قلوبهم ، فنزلوا على حكمه ، فأراد قتلهم ، فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له ، وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات ، وفي الاكتفاء : وكان منشأ أمرهم ، يعني في نقض العهد ، أن امرأة من العرب قدمت بجلب (١) لها ، فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا بها ، فصاحت ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقلته ، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فوقع الشر بينهم وبين المسلمين ، فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزلوا على حكمه.
وروي أن ابن أبيّ قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد ، أحسن في موالي ، فأعرض عنه ، وأنه قال : أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة ، إني والله امرؤ أخشى الدوائر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هم لك ، وقال مغلطاي في غزوة بني قينقاع ، قال الحاكم : هذه وبني النضير واحد ، وربما اشتبهتا على من لا يتأمل ، وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر أنهم أول من نقض العهد : فغزاهم النبي صلىاللهعليهوسلم ثم بني النضير ، وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد ولم يوافق على ذلك ؛ لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة ، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق ، وذكر الواقدي أن إجلاء بني قينقاع كان في شوال سنة اثنتين ، يعني بعد بدر بشهر ، ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال : لما أصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال : يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا ، فقالوا : إنهم كانوا لا يعرفون القتال ، ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال ؛ فأنزل الله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) إلى قوله : (لِأُولِي الْأَبْصارِ) [آل عمران : ١٢ ـ ١٣] وأصاب صلىاللهعليهوسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف ودر عين أحدهما تسمى فضة والأخرى تسمى السغدية (بالسين المهملة والغين المعجمة) قال بعض الحفاظ : وكانت السغدية درع داود عليهالسلام التي لبسها حين قتل جالوت ، والله أعلم.
غزوة السويق
قلت : سميت به لأنه كان أكثر زاد المشركين ، وغنمه المسلمون لأن أبا سفيان خرج
__________________
(١) الجلب : ما جلب من إبل وغنم ومتاع من البادية للتجارة.