وروى الطبراني هذه القصة عن صفية رضياللهعنها في غزوة أحد ، وفي إسناده اثنان ، قال الهيثمي : لم أعرفهما ، وبقية إسناده ثقات ، والمذكور في كتب السير أن هذه القصة في الخندق ، وأن بعضهم كان بحصن بني حارثة وبعضهم بفارع ، وأن صفية رضياللهعنها لما فرغت من قتل اليهودي ورجعت إلى الحصن قالت لحسان : انزل فاسلبه ، فإني لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ، قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب.
قال السهيلي : محمل هذا الحديث عند الناس أن حسان كان جبانا شديد الجبن ، وقد دفع بعض العلماء هذا وأنكره ، وقال : لو صح هذا لهجي حسان به ، فإنه كان يهاجي الشعراء ، وكانوا يردون عليه فما عيّره أحد بجبن ، وإن صح فلعل حسان كان معتلا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال ، انتهى.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عروة مرسلا أن النبي صلىاللهعليهوسلم أدخل نساءه يوم الأحزاب أطما من آطام المدينة ، وكان حسان بن ثابت رجلا جبانا ، فأدخله مع النساء ، فأغلق الباب ، وذكر القصة.
وممن ذكر القصة في الخندق ابن إسحاق ، ويؤيده أن اليهود إنما غدروا في الخندق ، وذلك أن حيي بن أخطب توجه إلى بني قريظة ، فلم يزل بهم حتى غدروا ، وبلغ المسلمين غدرهم ، فاشتد بهم البلاء والحصار حتى تكلم معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف وأوس بن قيظي أخو بني حارثة وغيرهما من المنافقين بالنفاق ، وأنزل الله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢] الآيات. قال ابن عباس : وكان الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ، ومن أسفل منهم قريش وغطفان ، وكان حيي بن أخطب أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، فأغلق باب حصنه دونه ، وقال : لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا ، فقال له : إني جئتك بعز الدهر ، جئتك بقريش وغطفان على قادتهما وسادتهما قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه ، فقال له كعب : جئتني والله بذلّ الدهر ، وبجهام قد هراق (١) ماءه فهو يرعد ويبرق وليس فيه شيء ، فلم يزل حتى نقض كعب عهده وبرئ مما كان بينه وبين محمد صلىاللهعليهوسلم فاشتد الخوف بالمسلمين.
قال ابن إسحاق : ولم يقع بينهم حرب إلا مراماة بالنبل ، ولكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر معهم خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق ، فبارزه علي فقتله ، وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، فبارزه الزبير فقتله ، ويقال : قتله علي ،
__________________
(١) الجهام : السحاب لا ماء فيه. هراق : أفرغ.