لهم قرارا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبو سفيان فقال : يا معشر قريش ، والله ما أصبحتم بدار مقام (١) ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، فارتحلوا فإني مرتحل ، فتحملت قريش وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا (٢) راجعين إلى بلادهم ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا».
وفي الذيل على أخبار المدينة لابن النجار لصاحبه العراقي عن الكلبي أنه قال : إن الملائكة اتبعوا الأحزاب حتى بلغوا الروحاء يكرون في أدبارهم ، فهربوا لا يلوون على شيء (٣) ، والله أعلم.
ثم كانت غزوة بني قريظة.
غزوة بني قريظة
قلت : قال أبو الربيع الكلاعي في الاكتفاء : ولما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة ومعه المسلمون ، فلما كانت الظهر أتاه جبريل ـ ويقولون فيما ذكر ابن عقبة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان في المغتسل عند ما جاءه جبريل ، وهو يرجّل رأسه (٤) ، قد رجّل أحد شقيه ، فجاءه جبريل على فرس عليه اللأمة وأثر الغبار ، حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز ، فخرج إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له جبريل : غفر الله لك! قد وضعتم السلاح؟ قال : نعم ، قال جبريل : ما وضعت الملائكة السلاح بعد ، وما رجعت إلا من طلب القوم ، إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم ، اه.
وفي رواية أخرى أنه قال : انهض إليهم فلأضعضعنهم ، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار ، وأصله في البخاري في باب مرجع النبي صلىاللهعليهوسلم من الأحزاب من رواية أنس ، قال : كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في سكة بني غنم من موكب جبريل.
ورواه ابن سعد من طريق حميد بن هلال مطولا ، لكن ليس فيه أنس ، وأوله : كان بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين بني قريظة عهد ، فلما جاءت الأحزاب نقضوه وظاهروهم ، فلما هزم الله الأحزاب تحصنوا ، فجاء جبريل فقال : يا رسول الله ، انهض إلى بني قريظة ، فقال : إن
__________________
(١) دار المقام : مكان الإقامة.
(٢) انشمروا راجعين : انكفأوا عائدين أدراجهم.
(٣) لا يلوون على شيء : لا يهتمون لشيء.
(٤) رجّل رأسه : سوّى شعره وزيّنه.