في أصحابي جهدا ، قال : انهض إليهم فلأضعضعنهم ، قال : فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار.
قلت : زقاقهم هو عند موضع الجنائز في شرقي المسجد ، كما علم من ذكر منازلهم.
وفي رواية : لما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الخندق والمسلمون ، ووضعوا السلاح ، أتى جبريل رسول الله صلىاللهعليهوسلم معتجرا بعمامة (١) من استبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج ، فقال : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال : نعم ، فقال : ما وضعت الملائكة السلاح بعد ، وما رجعت إلا من طلب القوم ، إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة ، فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بلالا فأذن في الناس : من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ، وقدم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس ، وحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمسا وعشرين ليلة في رواية ، وفي أخرى خمس عشرة ، وعند ابن سعد عشرة ، حتى أجهدهم الحصار ، وقذف في قلوبهم الرعب ، فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد وقال لهم : إما أن تؤمنوا بمحمد فو الله إنه نبي أو تقتلوا نساءكم وأبناءكم وتخرجوا مستقتلين ليس وراءكم ثقل (٢) وتبيتوا المسلمين ليلة السبت ، فقالوا : لا نؤمن ولا نستحل السبت ، وأي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟ وأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر أخي بني عمرو بن عوف من الأوس ، وكانوا حلفاءهم ، فاستشاروه في النزول على حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأشار إلى حلقه ، يعني الذبح ، ثم ندم ، فتوجه إلى المسجد النبوي ، وارتبط بسارية تعرف به اليوم حتى تاب الله عليه ، واستشهد من المسلمين خلاد بن سويد من بني الحارث بن الخزرج ، طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته ، وأمر صلىاللهعليهوسلم بقتلها بعد ذلك ، ومات في الحصار أبو سنان بن محصن الأسدي أخو عكاشة بن محصن ، فدفنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مقبرة بني قريظة التي تدافن فيها المسلمون لما سكنوها ، ولم يصب غير هذين ، فلما اشتد بهم الحصار أذعنوا (٣) أن ينزلوا على حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال الأوس : قد فعلت في موالي الخزرج ـ أي : بني قينقاع ـ ما علمت ، قال : ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا : بلى ، قال : فذلك إلى سعد بن معاذ ، وكان سعد قد أصابه سهم في أكحله (٤) يوم الخندق ، فأتاه قومه ، فحملوه على حمار ، ثم أقبلوا معه يقولون : يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم ، فلما أكثروا
__________________
(١) اعتجر بالعمامة : لفّها على رأسه وردّ طرفها على وجهه.
(٢) الثقل : الحمل الثقيل. و ـ متاع المسافر.
(٣) أذعنوا : انقادوا وأقروا.
(٤) الأكحل : وريد في وسط الذراع يفصد أو يحقن.