عليه ما فيه من مخالفة أهل اللسان في قولهم «لاثنتي عشرة» فإنهم لا يفهمون منها إلا مضي الليالي ، وأن ما أرخ بذلك يكون واقعا في الثاني عشر.
قال الحافظ ابن حجر : فالمعتمد قول أبي مخنف أنه في ثاني ربيع الأول ، وكأن سبب غلط غيره تغيير ذلك إلى الثاني عشر ، وتبع بعضهم بعضا في الوهم.
وغسله صلىاللهعليهوسلم علي بوصيته ، والعباس وابنه الفضل يعينانه ، وقثم وأسامة وشقران يصبون الماء ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ـ وسحول : بلدة باليمن ـ وعن جعفر بن محمد عن أبيه : كفن في ثوبين صحاريين مما يصنع بعمان من كرسف (١) وبرد حبرة ، وفي الإكليل ورواه يحيى عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه : كفن في سبعة أثواب ، وصلّى عليه في حجرته بغير إمام ؛ ونقل الأقشهري عن الحسين بن محمد الصدفي أنه صلىاللهعليهوسلم صلّى عليه في وسط الروضة من مسجده ، ثم حمل إلى بيته ودفن فيه.
قلت : هذا إنما هو معروف في أبي بكر وعمر رضياللهعنهما ، وفي مستدرك الحاكم ومسند البزار بسند ضعيف أنه صلىاللهعليهوسلم أوصى أن يصلوا عليه أرسالا بغير إمام ، ودفن صلىاللهعليهوسلم ليلة الأربعاء ، وقيل : يومها ، وقيل : يوم الثلاثاء بعد أن عرف الموت في أظفاره ، وقال قائلون : ندفنه بمسجده ، وآخرون بالبقيع ، ثم اتفقوا على دفنه ببيته ، فحمل بالفراش ، وحفر له في موضع الفراش ، وروى يحيى عن ابن أبي مليكة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : ما هلك نبي إلا دفن حيث تقبض روحه ، وأوصى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مرضه بإخراج المشركين من جزيرة العرب كما في الصحيح من حديث ابن عباس أنه صلىاللهعليهوسلم أمر بذلك ، ولفظه : وأمرهم بثلاث ، فقال : «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيرهم» والثالثة إما سكت عنها ، وإما أن قالها فنسيتها. قال سفيان : هذا ـ أي قوله والثالثة إلى آخره ـ من قول سليمان : أي شيخ سفيان ، قال الداودي : الثالثة هي الوصية بالقرآن ، وقال المهلب : بل هي تجهيز جيش أسامة ، وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبي بكر في تنفيذ جيش أسامة ، قال لهم أبو بكر : إن النبي صلىاللهعليهوسلم عهد بذلك عند موته.
وقال عياض : يحتمل أن يكون قوله : «لا تتخذوا قبري وثنا» فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود ، ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله : «الصلاة وما ملكت أيمانكم».
__________________
(١) الكرسف : القطن.